لغات التدريس نقاش الهوية و تحديات التنمية

هيئة التحرير
غير مصنف
هيئة التحرير6 مارس 2016آخر تحديث : الأحد 6 مارس 2016 - 11:36 مساءً
لغات التدريس نقاش الهوية و تحديات التنمية

لا جدل أن المغرب بلد عربي، وهذا معطى تحكمه السياسة و تؤطره الجغرافيا، إضافة إلى إقراره اللغة العربية في دستوره كلغة رسمية أولى، غير أن البعض يتخذ من التنوع الثقافي الإثني و تعدد اللسان الدارج المصاحب له ذريعة لدحر اللغة العربية و نعتها بالدخيلة ثم العمل بشراسة على تدميرها و طمرها عميقا، حتى وصل الحال إلى المطالبة باعتمادها كلغة لتدبير العملية التعليمية التعلمية، لنفترض أننا توافقنا مع هذا الطرح و قبلنا بأعذاره.

فكم من لسان دارج تزخر به البلاد ؟ ألن تنغلق المؤسسة التعليمية على وسطها و تعيد إنتاج نفس أعراض ضعف التواصل ؟ ثم هكذا طرح ألن يسهم في تقديم المغرب على أنه بضع قبائل مشتتة هنا و هناك في ظل غياب لغة خطاب رسمي مفهوم ؟ و لنا دليل كم مرة تتم ترجمة ما يتردد على لسان بعض المواطنين إلى اللغة العربية عندما تطلب تعليقاتهم أو شهادتهم في برامج ووثائق تنظمها قنوات {شقيقة}.

من هنا نرى أن اختيار اللغة العربية ليس أمرا تفضيليا بل  قضية أساسية فحواها الاستمرار ضمن فلك الوجود العربي إن لم نقل الهوية العربية، نضيف أمرا أخر تمت الإشارة إليه في الميثاق الوطني للتربية و التكوين هي الدعامة التاسعة الخاصة بتحسين تدريس اللغة العربية و استعمالها، ثم المادتين 110 و 111 ضمن نفس السياق، ونتساءل في الآن نفسه أين نحن مما دعا إليه بواقعية دستور التربية و التكوين بلا منازع  قبل ست عشرة سنة ؟ فيما يخص التوجه الحالي نحو اعتماد اللغات الأجنبية في تدريس العلوم و التقنيات، نعتبره منطلقا حتميا و توجها صائبا نحو خلق الانسجام الذي كان سلفا بين الجامعة و الثانوية، بدل الشرخ الذي يعيشانه معا الآن، فمن جهة كل المواد العلمية و التقنية المُدرّسة  بالمعاهد العليا و الجامعات  داخل البلاد هي بلغات أجنبية، و من جهة أخرى فالعلوم و مضامينها المعتمدة عالميا هي موثقة باللغة الانجليزية، ثم بعدها الفرنسية، و بما أن هذه الأخيرة هي اللغة الأجنبية الثانية للبلاد، فاعتمادها في تدريس المواد العلمية و التقنية بشكل مبكر يمكّن أولا من ترسيخ اللغة لدى المتعلم المحلي عبر توظيفها تواصليا و إنتاجيا مما سييسر تأقلمه مع متتاليات التعلمالتكوين داخل الجامعة بمقاربة شاملة لجوانب نظرية و تطبيقية، ثانيا يتيح خلق جسور تعاون وتكامل و حتى شراكات مع جامعات ما بعد وطنية، تعزيزا للكفاءة المهنية و التربوية، تبادلا فعليا للخبرات و التجارب، يُقدَّم خلالها الطالب المغربي على انه مكافئ معرفيا و مهاريا ووجدانيا للطالب الأجنبي، له من الملكات ما يمكنه من المنافسة و المبادرة و الاقتراح و إيجاد الحلول الملائمة، يشكل رأسمال بشري حديث يتماشى مع السياق الحالي لمجتمع المعرفة، وهكذا تُؤهل الجامعة المغربية تلقائيا و تتطور بفعل مشاريع البحث العلمي و استكمال التجارب أو حتى المساهمة فيها مع الجامعات الأجنبية بصفة الشريك الكفء و ليس الحضور الصوري، فارضة في الآن ذاته نفسها أمام القطاع الخاص على أنها فضاء استثماري ناجح بامتياز، ومزود أساسي للبلاد بالنخب المؤهلة و الكوادر القادرة على إحداث تغيير ملموس في الاستراتيجيات الوطنية للتطوير و الإقلاع الصناعي الإنتاجي المُوّجه محليا و حتى المُصدّر منه نحو الخارج، ما ينبغي التركيز و التأكيد عليه، هو أن التنمية الشاملة تبتدئ بمتعلم متكمن لغويامهاريا، يصير بعدها طالبا باحثا، أو مهندسا…بفضل زاده المعرفيالتطبيقي و تكتله مع الأقران، تتضافر الجهود و تتكامل المشاريع فيما بينها، المتفرعة عن رؤية طموحة و هادفة عنوانها :”مغرب عربي حديث وتقدمي”. 

بقلم عمر صديق

فاعل تربوي و ممارس بيداغوجي

عذراً التعليقات مغلقة