مات العرب واندثرت مبادئهم

هيئة التحرير
غير مصنف
هيئة التحرير11 نوفمبر 2015آخر تحديث : الأربعاء 11 نوفمبر 2015 - 12:09 مساءً
مات العرب واندثرت مبادئهم

لا يختلف اٍثنان على أن موضوع الساعة هو بلاد سوريا التي طالها الخراب من كل جهة , حيث بدأ مواطنوها يغادرون الوطن الى جهات متفرقة , فمنهم من قصد بلاد العرب , ومنهم من استغل الوضع وغامر في رحلة مجهولة العواقب الى أروبا .

رغم أن الاتحاد الاروبي يشمل حوالي 30 دولة  كلها تعترف  باللجوء السياسي , فاٍن وجهتهم المفضلة تبقى هي السويد أو ألمانيا .

طرق الرحلة مختلفة وكذالك الاثمنة , لكن نقطة التلاقي واحدة , وهي دول البلقان التي تعتبر الفاصل بينهم وبين الهدف المنشود , رؤساء هذه الدول تعقد اجتماعات متتالية وتخرج بقرارات أكثر من مرتين في الاسبوع تجاوبا مع حالة تدفق اللاجئيين, والاعلام يرفع الى العالم صور اللاجئيين وهم ينامون في الخلاء يفترشون الارض ومن فوقهم السماء ,  وهناك قصص كثيرة بخصوص هذا الموضوع الظاهرة , مثلا حصل من النساء من وضعت مولودها في محطة قطار , وهناك من اللاجئيين من  مات اختناقا في شاحنة لنقل البضائع , أو قذفتهم أمواج البحر بعدما غرق المركب الذي يأويهم .

 رؤساء الاتحاد الاروبي  يعقدون اجتماعات تلو الاجتماعات ويطلون على العالم بين الحين والاخر بندوات صحافية مواكبة لتدفق اللاجئيين , ونشرات الاخبار تمرر صورهم وترفع الى العالم ارتساماتهم كل يوم بالتفاصيل .

… كل هذا والعرب نيام , لا يعقدون اجتماعا ولا يدرسون قرارا . حتى الاحزاب السياسية التي كانت مرآة لمشاكل الشعب ومعاناتهم  لم تعد ترقى الى ذالك المستوى المعهود , أما  المثقفون فقد  تراجعت آداءاتهم وأصبحوا متقاعسين , يهتمون  بأشياء  فارغة . النبض الوحيد الذي لازال ينبض بشيئ من المبادء هم شباب المواقع الاجتماعية التي تعبر عن سخطها بكلمات بسيطة نابعة من حالات مزرية آلت اليها وضعية المؤسسات العربية , نجم عليها شحن الذاكرة بعواصف  من الافكار الغير المستقرة في خضم عالم عربي اندثرت فيه  المبادئ وماتت عروبته وقوميته .

يعيش العرب عامة حركة ثقافية غير عادية  بعيدة عن الواقع الدولي , يتناولون ماهو هامشي , ويقفون مكتوفي الايدي أمام التاريخ وأمام الثقافة وأمام السياسة  , لا يمكن لها  ان تنتج  انسانا  له  مبادء راسخة بقدر ما تزرع  الفكر الانهزامي وتمهد له   .

 

 التعامل مع الاحداث بهذا الشكل يجعل الانسان العربي يفقد الاحساس بالعيش الكريم ويستأنس بالهزيمة , ويبتعد كثيرا عن ماذا تعني كلمة وطن , ولنا في الشعب السوري وما أقدم عليه عندما  غادر البلاد , وربما بدون رجعة خير مثل في هذا المضمار .

الانسان لا بد أن يكون لديه وطن, يدافع عليه وينتمي اليه سواء كان بعيدا أو قريبا , سواء كان مثقفا ,   أو سياسيا , أو دون ذالك , لانه من لا وطن له فلا وجود له , تذكرني هذه المقولة بالشعب الغجري , الذي عاش و لازال يعيش متفرقا في العالم مذلولا محقورا , لا يجد من يدافع عليه  , والسبب أنهم فقدوا وطنهم فـاصبحوا متشردين في العالم .

للطبقة المثقفة في كل بلد مسؤولية التوعية والتحسيس , ومواكبة الاحداث وتحليلها وشرحها والخروج بمواقف بائنة تجعل المواطن يتقوى من الداخل وتترعرع فيه شخصيته حتى يستأنس بالاستقرار الفكري والروحي .

جميع أدوات العمل التي تساعد على هذا النهج :  كتاب أو فيلم أو مسرحية أو محاضرة أوبرنامج ثقافي أو معرض تبقى  اٍما منعدمة , أو بعيدة عن الاتجاه الصحيح  , وهو ما يدعم العنوان الذي اخترناه لهذا المقال : مات العرب واندثرت مبادئهم .

الاشكالية الكبرى

عندما تضمحل السياسات ويتم اختزال المؤسسات التي تسهر على حل المشاكل الكبرى  فان النتائج تتراجع بدورها لتلامس مستوى الحضيض الاخير , ولنا في جامعة الدول العربية والمؤسسات المنبثقة من وعن الدول الاسلامية خير دليل على ذالك .

بعد الدمار والخراب الذي يمحي العمران والبنيان يضطر المواطنون الى الهجرة , ورغم اٍمكانية العيش في بلدان عربية , أومسلمة , فان معظم اللاجئيين يفضلون الدول الغربية , خاصة التي بها قوانين جيدة تحفظ  كرامة الانسان وتراعي انتماءه الثقافي والديني , وتعمل على اٍدماجه في المجتمع بوساءل علمية , لكن في خضم الازمة الاقتصادية العالمية تثور جمعيات وحركات  أروبية في وجه سياسة استقبال الاجانب والتقشف وأسلمة أروبا .

وبما أن هذه البلدان تحترم الحريات , فانها تحترم أيضا  حرية الاختلاف وحرية التظاهر , وهو الامر الذي ينجم عنه هبوط الاف من المواطنين الاروبيين الى الشوارع  في مظاهرات صاخبة  ضد السياسات العامة , وفي بعض الاحيان تقوم جمعيات بنشر صور كاريكاتورية  تعبيرا عن سخطهم تجاه المواقف التي اتخذها مسؤوليها  .

تنزل الى الشارع في الايام الموالية جحافيل من الاجانب خاصة المسلمون كرد فعل ضد استفزاز حركات أسلمة أروبا  , لدينهم وثقافتهم وهويتهم وتواجدهم  بين أحضانهم  .

يردد الاعلام الاروبي الحدث في قنواته الوطنية , ويستضيف شخصيات من الجانبين ليشرح كل واحد موقفه من الحدث , فيرتوي الجمهور , وينقسم الى معارض ومؤيد . والعالم العربي والاسلامي  في غياب تام وكأنه غير معني بما يجري سواء في أروبا , أو في دول عربية  يدعي تارة أنها دول جارة واٍخوة لهم , تجمعهم صلة الدين واللغة , ويتملص منها أخرى بذريعة أن مواطنوها لهم ثقافة مختلفة

محمد بونوار

كاتب مغربي مقيم بالمانيا 

عذراً التعليقات مغلقة