تحقيق: 12 سنة على رحيل ادريس البصري ماذا تغير في سطات ؟ (الجزء الأول)

هيئة التحرير
غير مصنف
هيئة التحرير27 أغسطس 2019آخر تحديث : الثلاثاء 27 أغسطس 2019 - 5:44 مساءً
تحقيق: 12 سنة على رحيل ادريس البصري ماذا تغير في سطات ؟ (الجزء الأول)

( … مدينة “سَطَّات” ابنة “البَصْري” الحسناء المًدلّلة ، استوطن جنباتها اليأس المُوَلِّد فيروس المذلة ، واعتلاها ما صَغَّرها لتعود حافية الأزقة والحياة فيها مُرهقة والطموحات في المجمل “مُبَهْدَلَة” ، وهي التي خطبها الحظ مرة فناشده وَلِيُّ أمرها أن يدفع مهرها “مَسَلَّة ” ، لم يقدر على رفعها صخرة منحوتة منزوعة من جبل واحد بطول مئات الأمتار فوق سطح البحر فراعنة مصر لا في الجيزة أو أصوان أو معابد الفيلة ، تقام في ساحة لا تضاهيها أخرى تؤجج حماس من يفكر في الأحلام الوردية تحرير “سبتة” و “مليلية” راكبا على بغلة، درست في “زْعَيْر” محصولي القمح والشعير وانتقلت بثمن بيعه ترقص مع شيخات عاصمة “العيطة ” ككل ليلة…)

بهذه الجمل المنثورة بعناية استهل الكاتب الصحفي “مصطفى منيع” مخطوطته التي عنونها ب “سطات وبئس المحطات”، وكم كان الكاتب موفقا في القبض على لحظات فارقة من الزمن السياسي لمنطقة ارتبط اسمها باسم فارسها المرحوم البصري.

12 سنة مرت على رحيل رجل دولة كبير لا شك أن التاريخ سيخلد اسمه الى جانب كل رجالات هذا الوطن المخلصين، رجل قد يختلف المغاربة حول اسهاماته في التدافع السياسي الذي شهده المغرب أواسط القرن الماضي، لكن الجميع متفق بأن الرجل والى آخر يوم من عمره شكل نموذجا لانسان غيور على أصوله لم يجد حرجا في الجهر بأنه ابن البادية، ابن الشاوية، وابن سطات.

وعلى عكس كل الأساطير التي كانت تروج بأنه لا يهتم فقط الا بمدينته، فقد كان الرجل يحمل ملفات المغرب الثقيلة من طنجة للكويرة، وليس ككل الساسة والمسؤولين الذين يقضون وقتهم الثالث بجزر المالديف وخلجان شبه الجزيرة الايبيرية، كان البصري يقضي وقته الثالث على تراب أرض الشاوية بين أزقة سطات، وروابي لمناصرة، علي مدرجات الملعب البلدي لسطات، كان الرجل ينفق ما تبقي من وقته في منطقته وأرض أجداده، ولو فعلها كل الساسة بمناطقهم لتغير الكثير.

12 سنة على رحيل البصري، وانفض من كانوا قيد حياته يتمسكون بتلابيب جلبابه القروي، بعد أن استفادوا واستفاد ابناؤهم وتركوا سطات تتدبر حالها وحيدة دون نخب.

 

ابن الشاوية مسار رجل دولة

 

ولد إدريس البصري يوم 8 نونبر 1938 بضاحية مدينة سطات، في منطقة الشاوية ذات الطابع البدوي الفلاحي. وقد نشأ في أسرة متواضعة الحال، من ثماني أخوات وثلاثة إخوة، وكان والده حارسا في سجن بمنطقة عين علي مؤمن.

تلقى تعليمه الابتدائي بالمدرسة المحلية لعين علي مؤمن. ولما أظهر اجتهادا في التحصيل، عمل والده على توفير إقامة متواضعة له في حي شعبي بمدينة سطات، فتابع دراسته في الثانوية الإسلامية (تحمل حاليا اسم المعتمد بن عباد).

ولم يمنعه الالتحاق بالشرطة من مواصلة دراساته العليا حيث حصل على دبلوم الدراسات العليا (الماجيستير) سنة 1975 وعلى دكتوراه الدولة في القانون العام من جامعة العلوم الاجتماعية بغرونوبل في فرنسا سنة 1987.

بدأ البصري حياته المهنية “مفتشا” ثم أصبح “عميدا ممتازا” في الأمن الإقليمي، ثم التحق بوزارة الداخلية مديرا للشؤون العامة ورجال السلطة.

عين على رأس الإدارة العامة لمراقبة التراب الوطني في 13 يناير 1973، ثم عين في 26 أبريل 1974 كاتبا للدولة في الداخلية وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى مارس 1979 حين أصبح وزيرا للداخلية.

وفي 15 نوفمبر 1985 جمع بين وزارتي الداخلية والإعلام، وقد احتفظ بهذين المنصبين مع صفة وزير دولة في الحكومتين المتعاقبتين لمحمد كريم العمراني (1992-1994)

وفي 27 فبراير 1995 عُين وزيرا للدولة وزيرا للداخلية في حكومة عبد اللطيف الفيلالي حيث تم الفصل بين وزارة الداخلية ووزارة الاتصال، واستمر كذلك إبان ما عرف بمرحلة التناوب، في حكومة الزعيم الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي التي شكلت في 14 مارس/آذار 1998.

كنت نهاية إدريس البصري عصيبة ومؤلمة، وقد انتقل إلى باريس سنة 2002 وأجرى بعض الحوارات الصحفية في محاولة للبقاء في دائرة الأضواء، وظل هناك حتى توفي في باريس يوم 27 غشت 2007، ثم نقل إلى المغرب وأقيمت له جنازة رسمية، ودفن بمقبرة الشهداء في الرباط يوم 29 من الشهر نفسه.

 

 

سطات البصري أم بصري سطات

 

كثيرا ما كان الراحل ادريس البصري يتلقى تعليقات وقفشات من زملائه بالحكومة ومن رجالات الدولة حول سطات، وكانت نهاية الأسبوع دائما تغطي نتائج الفريق المحلي لكرة القدم “النهيضة” كما كان يسميها، علي المزاج العام لرجل الشاوية القوي، كانت سطات تتملك الرجل والرجل يتملكها، فكانت أعينه تراقب كل صغيرة وكبيرة من السياسة للاقتصاد للرياضة فالثقافة والفن والأدب.

 

البصري وتدبير الشأن المحلي

 

كانت سطات غير بعيدة عن المزاج العام للحقل السياسي المغربي، بل إن جزء من التدافع السياسي الذي شهدته ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي كان الاقليم ساحة له، مع نشاط الأحزاب المعارضة والمواجهات المفتوحة مع بعض الاعيان المتمترسين في مجموعة من الأحزاب وبالخصوص الاتحاد الدستوري.

كانت فترة الانتخابات يسبقها بالضرورة تشاور بشكل أو آخر مع سي دريس، ويحكي بعض المتتبعين خلال تلك المرحلة بأن المجالس وأغلبياتها المسيرة كان يتم هندستها داخل إقامته بطريق زعير وبمباركته، لذلك فالقرارات الكبرى التي كانت تتخذ غاليا ما كانت لمسة البصري عليها واضحة، حتى أن علاقة المجالس المنتخبة بسلطات الوصاية كان يشوبها الكثير من التعاون مادام رجل الشاوية القوي هو من يضع حدودها.

استفادت المجالس المنتخبة كثيرا من الاشعاع الذي وفره البصري للمدينة، وكان أمامها فرص تلو الأخرى من أجل تأهيل المدينة على كافة المستويات، لكن للأسف لاشيئ من ذلك حدث، ارتكبت أكبر جريمة في حق الموروث التاريخي والحضاري للمدينة بإزالة المدينة القديمة، فتحولت سطات الى مبان بدون روح، مادامت الروح دكتها جرافات المجلس البلدي.

استفاد المجلس البلدي من كل برامج الدولة، ومن قروض صندوق التجهيز الجماعي، لكن كل ذلك صرف على تبييض الواجهة في حين تم تهميش باقي المناطق والأحياء، ضاعت فرص الاستفادة من الفترة الذهبية للبصري بسبب غباء الطبقة السياسية والتي كان جلها يبحث عن التقرب من سي دريس من أجل أغراض شخصية، حتى أنه حين كان يستفسر عن أحوال المدينة كانوا يدسون في جيبه طلبات توظيف الأبناء والأقارب.

 

 

 

يتبع…

 

في الجزء الثاني.. البصري: الجامعة وتشجيع الاستثمار

في الجزء الثالث ..البصري:  قدماء تلاميذ بن عباد وصناعة النخب

في الجزء الرابع .. البصري: النهيضة أكثر من مجرد فريق

عذراً التعليقات مغلقة