انطباعات أولية حول التحكم السياسي…وهم أم واقع؟

هيئة التحرير
غير مصنف
هيئة التحرير26 سبتمبر 2016آخر تحديث : الإثنين 26 سبتمبر 2016 - 11:41 صباحًا
انطباعات أولية حول التحكم السياسي…وهم أم واقع؟

ما فهمته من خرجات بعض المسؤولين من البيجيدي وبعض من حلفائه المؤقتين، هو أن التحكم مصطلح يختص به حزب “البام” لا غيره..وأن التحكم يعني اختراق حزب “البام” للإدارة المغربية، بحكم أنه قام بتجنيد فيالق من الموظفين المبثوتين في وزارة الداخلية وغير وزارة الداخلية، والذين يأتمرون بأوامره، لدرجة أن بمقدوره “اتخاذ القرارات” الإدارية، ومنها السياسية، التي تكاد تجعل منه “حزبا وحيدا”، على شاكلة حزب “الدستور الجديد” التونسي، أو “جبهة التحرير الجزائري” سابقا، أو الأحزاب الشيوعية والإفريقية إلى عهد قريب…وأن خلق هذا الحزب “الهجين” يدخل في الإستراتيجية “الثابتة” للمؤسسة الملكية والهادفة إلى إنشاء “كائنات سياسية” تمكنها من مراقبة وضبط كل محاولات الانعتاق الديمقراطي “للشعب” وللأحزاب “الوطنية” العتيدة الناطقة باسم هذا الشعب “المغلوب على أمره”…فقد كان في السابق “فديك” أحمد رضا كديرة، وكان “حزب أحرار” أحمد عصمان، وكان “إتحاد” المعطي بوعبيد “الدستوري”، وهكذا دوليك… 
ويترتب عن هذا التوصيف أن لا مناص من إبعاد هذا الحزب عن الساحة السياسية، وحتى حله إن اقتضى الحال، لتمكين المغرب من تفعيل “انتقاله الديموقراطي”…
غير أن المنطق يدفعك دفعا لطرح تساؤلات مشروعة حول هذا التوصيف لنسق اشتغال النظام السياسي المغربي، وذلك على الشكل التالي:
إن المعارضة السياسية في بداية الستينات لم تكن “معارضة من داخل النسق”، أي أنها لم تكن تندرج في حلبة تنافس بين أحزاب سياسية معلومة بين يسار ويمين ووسط، ولا بين أحزاب “لائيكية” وأخرى “دينية”…بل كانت معارضة من “خارج النسق السياسي”، بل ومعارضة للنسق السياسي برمته…أي أنها معارضة للمؤسسة الملكية نفسها، معارضة في شكل حرب حقيقية من أجل “الوجود والتواجد السياسي”، في شكل حرب تهدف إلى القضاء المادي على الخصم…وعليه، فقد كان طبيعيا أن يكون الحسن الثاني ممثلا “شعبيا” بحزب يدين له بالولاء ويتصارع في الحلبة السياسية باسمه، ومن ذلك خلق “جبهة المؤسسات الدستورية”…


كما أنه لا يتنازع اثنان في أن إنشاء حزب “الأحرار” و”الاتحاد الدستوري” في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، كان يدخل في هذه الإستراتيجية الملكية، ولو بدرجة أخف بالنظر إلى ضرورة الدفاع عن “الوحدة الوطنية”، ودخول المعارضة التاريخية في مسلسل جديد تحت يافطة “المعارضة من داخل النسق”، وليس من خارجه…
وعليه، فقد مرت أكثر من 30 سنة على إنشاء آخر “حزب إداري” كلف بالتصدي للمعارضة التاريخية للمؤسسة الملكية، وتغيرت أشياء كثيرة طيلة هذه المدة…وبما أن التاريخ لا يعيد نفسه إلا على شكل مهزلة، فمن الصعب الجزم بأن إنشاء “البام” يدخل في إطار الإستراتيجية الملكية التي كان معمولا بها في السابق…مع التسطير على ما يلي: 
أن يعتقد من أنشأوا هذا الحزب أنهم يعملون في إطار العمل كذراع “مادي” للمؤسسة الملكية، بحكم أنهم يشتغلون بمعية السيد فؤاد عالي الهمة القريب جدا من الملك حسب تصورهم، معتقدين أنهم مكلفين “أخلاقيا” بمواجهة “الفكر الظلامي، والتيارات الماضوية، والأحزاب الإسلامية” التي تهدد استقرار المغرب واستقرار المؤسسة الملكية، فهو أمر وارد…ولكن أن يكون للملك يد في إنشاء هذا الحزب، رسميا ومؤسسيا كما كان معمولا به زمن الراحل الحسن الثاني، فهو ما لا يملك عنه الباحث ولو بداية حجة أو برهان…بل يمكننا القول أنه بإمكان الملك اليوم، أو غدا، أو بعد غد، أن يتبرأ من حزب “البام” رسميا ومؤسسيا “وبالعلالي” إن ثبت أنه يهدد المؤسسة الملكية في وجودها كما يزعم “منافسوه” صراحة في خطاباتهم المعلنة وغير المعلنة…وهذا الطرح سبق وأن أكدته بعض الأحداث بين سنتي 2008 و2011 لا داعي من سردها الآن…
ثم أن القائلين بأن “البام” حزب تحكمي، يتناسون أنهم هم من وهبوا للمؤسسة الملكية وللملك “ذراعا” ماديا حقيقيا وليس افتراضيا، وبحكم دستور المملكة، بأن عملوا كل ما بوسعهم سنة 2011 بان يستحوذ الملك على جميع “الأجهزة القمعية للدولة” من إدارة ترابية، وجيش، وأجهزة أمنية وغيرها…وهي كفيلة لوحدها بأن تجعل الملك في غنى عن “البام” وعن غير “البام”!


قضية أخيرة تتعلق بمسألة اختراق المؤسسات الإدارية والسياسية للدولة من طرف “حزب التحكم”…
لا يمكن لعاقل أن يتصور حزبا من الأحزاب، كيفما كان وزنه، يصل إلى ممارسة مهام حكومية، من دون أن يبث مساميره في دواليب الإدارة وفي مستويات اتخاذ القرار…فالأحرار تركوا “زريعتهم”، والاتحاد الدستوري ترك “زريعته”، و”الحركة الشعبية” تركت “زريعتها”، و”الاستقلال” ترك “زريعته”، والاتحاد الاشتراكي” هو الآخر ترك “زريعته”، وعمل البيجيدي منذ 2011 على زرع “زريعته” -وكان له منها حصة الأسد خصوصا وعبر منهجية محكمة- داخل ما يعرف “بالأجهزة الإديولوجية للدولة”، وهو أخطر اختراق على الإطلاق في أفق ما يسميه “كرامشي” “الهيمنة الإديولوجية للدولة”…وبذلك يصبح البيجيدي “حزبا تحكميا” بامتياز من هذا المنظور، من حيث يدري أو لا يدري                  ! 
هذه مجرد انطباعات أولية حول هذه الإشكالية التي ترهن ربما مستقبل جيل بأكمله، وجب استنطاقها عبر بحث علمي يخضع للصرامة العلمية من زاوية المعطيات وزاوية الفرضيات الممكنة…

عذراً التعليقات مغلقة