جدل الهندسة اللغوية بالقانون الاطار 51.17

هيئة التحرير
2020-07-12T17:16:21+01:00
كتاب و آراء
هيئة التحرير18 أبريل 2019آخر تحديث : الأحد 12 يوليو 2020 - 5:16 مساءً
جدل الهندسة اللغوية بالقانون الاطار 51.17

تم تأجيل التصويت على القانون الإطار بالمؤسسة التشريعية للمرة الرابعة على التوالي بسبب الإشارة الواضحة بالمواد 31 و 32 من نفس القانون على التدريس في بعض المواد وخصوصا العلمية منها باللغات الأجنبية وبالتحديد اللغة الفرنسية كمرحلة أولى. 

المثير للجدل هو التغيير الذي حدث فجأة على نص القانون الإطار في مسألة الهندسة اللغوية ولا نعلم كيف ولماذا؟ فالنسخة الأولى منه كما تمت صياغتها سنة 2015 وتم توقيعها من طرف وزير التربية الوطنية والتكوين المهني بالنيابة محمد الأعرج بوبت أولا المسألة اللغوية في المواد 28 و29 بينما النسخة الثانية أشارت لذلك في المواد 31 و 32؛

ثانيا فيما يتعلق ب”التناوب اللغوي” نجد أن النسخة الأولى من القانون الإطار أشارت بوضوح أن اللغات الأجنبية يمكن إعتمادها في بعض المجزوءات أو بعض مضامين المجزوءات ببعض المواد فقط دون الإشارة للمواد ودون تعميم لغة التدريس على مضامين المادة ومجزوءاتها كما دعم ذلك نص الرؤية الإستراتيجية من خلال الرافعة الثالثة عشر المعنونة :التمكن من اللغات المدرسة وتنويع لغات التدريس وخصوصا بالمادة 85، وهذا نص الإشارة إلى ذلك بالمادة 28 من النسخة الأولى للقانون 17-51 ” إعمال مبدأ التناوب اللغوي من خلال تدريس بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية” ، بينما النسخة الثانية من القانون نفسه أشارت بوضوح أن إعمال التناوب اللغوي سيتم بالتدريس بلغة أو لغات أجنبية ببعض المواد بمعنى التدريس الكامل بلغة أجنبية كلغة تدريس،وهذا نص الإشارة إلى ذلك بالمادة 30 من النسخة المعدلة للقانون الإطار” إعمال مبدأ التناوب اللغوي من خلال تدريس بعض المواد ولاسيما العلمية والتقنية منها أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أولغات أجنبية”.

ولإبداء الرأي في مسألة لغات التدريس وجبت الإشارة أولا أن المشكل بالقانون الإطار بالدرجة الأولى هو مجانية التعليم وتقليص سنوات وفرص التعليم وحصرها في التعليم الإلزامي بمعنى من السن الرابعة إلى الخامسة عشر وبعذ ذلك يجب أن تساهم الأسر في إكمال أبنائها للدراسة بما في ذلك من ضرب صريح لمبدأ الإنصاف وتكافؤ الفرص الذي يشكل إلى جانب الجودة للجميع والإرتقاء الفردي والجماعي أسس الرؤية الإستراتيجية لإصلاح منظومتنا التربوية 2015-2030.

ولكي نتأكد أنه يجب البدء أولا بإلغاء البنود التي تتراجع عن مجانية التعليم نشير إلى تعريف الإنصاف وتكافؤ الفرص بنص القانون الإطار”ضمان الحق في الولوج المعمم إلى مؤسسات التربية والتعليم والتكوين، عبر توفير مقعد بيداغوجي للجميع بنفس مواصفات الجودة والنجاعة، دون أي شكل من أشكال التمييز” لذلك لا يجب أن نصادق على قانون يتناقض مع نفسه بل يجب بسط النقاش واستحضار المصلحة العليا للبلاد ومدى أهمية أن تستمر الدولة في دعم مجانية التعليم بجميع أشكاله لأنه القاطرة الوحيدة لكسب رهان مجتمع المعرفة وتنمية الرأس مال البشري لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.

وبالرجوع للغات التدريس فالموقف المحايد يميل أكثر للنسخة الأولى من القانون الإطار خلاف نسخته المعدلة لعدة إعتبارات نذكر منها:

▪إكتساب أي لغة يبدأ بسن مبكرة وهذا ماتمت الإشارة إلية بالفعل في القانون الإطار، والهدف من التمكن من اللغات الأجنبية هو الإنفتاح على العالم و التمكن من التعلم بلغات متعددة والتعلم مدى الحياة وليس إكتساب اللغة يتم فقط عبر التدريس بها.

▪التدريس بلغة أجنبية في بعض المضامين ببعض المواد ولاسيما العلمية والتقنية التي تعذر إيجاد ترجمة لها باللغة العربية أمر لا مشكلة فيه والأكثر من ذلك أن هناك تخصصات تقنية تدرس بالفرنسية منذ سنوات ؛لكن أن ندرس المواد بأكملها وبشكل مستمر بالثانوي التأهيلي وباللغة الفرنسية التي لا تعتبر لغة علم مقارنة مع حجم الكم الهائل لمختلف الأبحاث باللغة الإنجليزية؛فهذا باطل يراد به شيء آخرمن غير الإنفتاح والتقدم.

▪تم ما الهدف من التربية والتكوين والبحث العلمي بموجب مجموع النصوص القانوننية والتنظيمية والتربوية؟ولعل نفس القانون الذي نحن بصدد مناقشته يجيبنا من خلال الفقرة الأولى من المادة الثالثة من الباب الثاني المتعلق بمبادئ منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وأهدافها ووظائفها على 

“ترسيخ الثوابت الدستورية للبلاد المنصوص عليها في الدستور وفي المادة 4 من هذا القانون الإطار واعتبارها مرجعا أساسيا في النموذج البيداغوجي المعتمد في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، من أجل جعل المتعلم متشبثا بروح الإنتماء للوطن ومعتزا برموزه ، ومتشبعا بقيم المواطنة ومتحليا بروح المبادرة”، وكما نعلم أن فرنسة أجيال من المغاربة بشكل ميكانيكي سينتج لنا أجيال لا تكثرث كثيرا للهوية الوطنية ولا لثوابتها ولا لمرجعيتها وحتى الأطر منها لن تتمكن من تكييف ماوصلت إليه من إنتاجات وابتكارات مع الخصوصية العربية-الأمازيغية للمغرب والمغاربة وفي هذا  خطر على إستمرار الإحساس بالحرارة الوطنية والإعتزاز بالإنتماء للوطن.

▪وفي نفس الإطار يحق لنا طرح السؤال التالي “هل فشلت الأطر المغربية بمختلف المجالات والحرف والوظائف من النجاح في مجتمعات تتكلم لغات غير التي تعلموا و تكونوا من خلالها؟” الجواب طبعا معروف ونسب المغاربة بالخارج ممن نجحوا في تقلد مناصب المسؤولية ونجحو في الإندماج المهني والعلمي لخير دليل على إدعاءات مناصري اللغة الفرنسية.

▪لماذا لم تتم الإشارة إلى أن الدراسة بلغة معينة أصبح أمرا إختياريا ومتاحا منذ 2016 عبر المسالك الدولية للبكالوريا خيار فرنسية-إنجليزية-إسبانية،وهنا يوجد الحل بحيث كل متعلمة ومتعلم لهم الحق في إختيار الشعب والمسالك و التخصصات التي تتلائم مع خصائص شخصياتهم في أبعادها المعرفية والحسية و الجسدية؛ فلماذا سنفرض على الجميع هندسة بيداغوجية لغوية بدون إختيارهم؟

في الأخير يجب التذكير على أن مجال التربية والتكوين والتعليم العالي والبحث العلمي مجال يجب أن يتم إبعاده عن جميع الحساسيات السياسية و الحسابات الضيقة التي لا تمس للتربية لامن قريب ولا من بعيد ونرجو أن يتم حذف مواد التراجع عن مجانية التعليم طيلة المسار الدراسي للمتعلمين المغاربة لأن في ذلك تقوية لمكانة الدولة وكذلك التراجع على التعاقد بالقطاع وحل جميع الإشكالات المطلبية لمختلف الفئات لأن القطاع أصبح المكان الوحيد الذي حظي بأكبر قدر من الإحتجاجات لسنوات، وهذا ليس في صالح المدرسة المغربية؛والإبقاء على مكانة اللغة العربية كلغة مدرسة ولغة تدريس وتعزيز مكانة الأمازيغية كلغة رسمية مع الإنفتاح الإجابي وليس الموجه على لغات العالم خصوصا لغات العلم، مداخل أساسية لإرساء هندسة لغوية عادلة وصادقة و متجانسة مع الخصوصيات الثقافية والدينية لعموم المواطنات والمواطنين المغاربة.

———————————————————

بقلم: المهدي عزوزي : أستاذ التعليم الثانوي التأهيلي.

عذراً التعليقات مغلقة