تسيجك أجوبته وتزيدك شهية الاستمرار في الحوار وتسبح بك الى عالم يختاره هو ، عالم يعرفه هو فقط ،يصعب على المتتبع العادي مجاراته وفهمه بسهولة .انه ذاك المخرج المثقف ،الملم بكل تضاريس السينما الوعرة .حيثما تجره يطاوعك،لايتنازل عن تصوراته وافكاره. قوي الملاحظة وسريع البديهة ‘يفهمها وهي طايرة”. يسهل عليك مأمورية الحوار. تخاله فيلسوفا ،بل هو كذلك. انه المخرج المغربي الشريف طريبق الذي فتح قلبه لجريدة الاحداث المغربية على هامش فعاليات المهرجان الوطني لفيلم الهواة في دورته التاسعة بسطات،حيث يتحمل مسؤولية رئاسة التحكيم. وكان معه الحوار الشيق التالي.
ماهو وضع السينما المغربية اليوم؟
هناك تطور كبير في اتجاه صناعة سينمائية بخصوصيات مغربية ،لاتشبه مثيلتها قي فرنسا او مصر. بموازاة مع الانتاج السمعي البصري بشكل عام. بالطبع يوجد مشكل الترويج وقلة القاعات السينمائية،يقابله تواجد العديد من معاهد السينما والتحاق العديد من الشباب للعمل في هذا المجال. بالاضافة الى ان المجتمع تكونت فيه شريحة اجتماعية تعيش من السينما. كما ان للدعم العمومي الذي توفره الدولة للسينما دور كبير،يرافقه تطور القوانين التي تنظم المهنة. وهذا يعني ان هناك تطور وقع في المجال السينمائي.لهذا قررت الدولة الرفع من دعمها.
اين تتجلى هذه القوانين؟
القوانين الجديدة واضحة من خلال وضع دفتر التحملات الذي قيل عنه الكثير وخلق للحصول على الدعم وتطويره وطريقة الحصول عليه. لايخفى عليك ان المهرجانات والتظاهرات كانت تدعم بشكل عشوائي. والان اصبح دعمها يخضع لقرارات لجنة تسهر على ذلك. والقانون في نظري يساير التحولات التي تعرفها السينما المغربية. انتقلنا من الشريط الخام 35 ملم الى الرقمي، فكان من الضروري ان يغير المركز السينمائي المغربي ومعها وزارة الاتصال القوانين لمسايرة الركب الرقمي. يعني ان هناك دينامية تعرفها السينما.
في نظرك من يطور السينما في المغرب؟
العاملون في المجال السينمائي هم الذين يطورون السينما والادارة تساير هذا التطور وذلك من خلال تنظيم المهنة ووضع مقاربة تشاركية للتشاور معهم ومع التقنيين. والحلقة الاساسية في هذا العمل هو المبدع. بالاضافة كما قلت سابقا الى المثقف المنخرط والمواكب لما يجري داخل المجتمع لنقل صورة الظواهر والاحداث التي يعرفها العالم.
اي عمل يبتدئ بفكرة والفكرة تتطور وكذا تركيبة المجتمع التي أصبحت جد معقدة. هل يؤثر هذا على السينما؟
بطبيعة الحال ،لان السينما هي مثل ذاك الموسيقي الذي يواكب التاريخ .وهي تتحول بتحول المجتمع. لاحظ معي في الماضي كانت هناك افلام تكلمت عن المراة، عندما كان النقاش دائرا حول مدونة الاسرة. كما كانت ايضا افلام انجزت حول الهجرة السرية التي كانت ظاهرة متفشية في المجتمع، بعدها جاءت قضية طي صفحة الماضي مع المجلس الاستشاري لحقوق الانسان. واكبتها مجموعة من الافلام ناقشت فترة سنوات الرصاص. وبالتالي المجتمع هو الذي يوفر المادة الخام للسينما ويؤثر على طريقة الكتابة التي تتحول مع تطور المجتمع الذي اصبح منفتحا على القنوات الاعلامية الفضائية. فكان من الطبيعي ان تواكب السينما هذا التطور. لان المبدع والمخرج ومعهما التقنيون ينتمون الى هذا المجتمع.
السينما كالاغنية،عندما تفتقد الى مبدعين،تفقد قيمتها وهويتها.بالنسبة اليك،هل حصل وان راجعت افكارك القديمة؟
ليس هناك تراجع،بل سميها ان شئت تطور. اليوم يلاحظ ان هناك فرق بين فكرة اولى واخر تخضع للتنفيذ على ارض الواقع. هنا يتدخل عامل الانتاج الذي يحاول ضبط فكرته مع المعطيات والامكانات المتوفرة. لان الفيلم لا يمكن ان ينجز بطريقة احادية،بل بمقاربة تشاركية مع التقنيين والممثلين. وبالتالي اذا كنت تفكر في اشياء، تصطدم على ارض الواقع باشياء مغايرة. اذن فانت مرغم بشكل طبيعي. بعيدا عن سلطة الرقابة بمواكبة هذا التطور. بالنسبة لي،لا اظن اني تنازلت في يوم من الايام عن فكرة ما،وانما احولها في اطار العملية الابداعية وشروطها التي ترغمك على تطوير افكارك.
بناء على ماسبق،هل تؤثر شروط المنتج على ابداع المخرج؟
الصناعة السينمائية بخصوصياتنا المغربية،جعلت اغلب المخرجين منتجين لاعمالهم. وبالتالي لااحد يتحكم في مشروعك السينمائي،بعيدا عن شروط منتج اخر. ليست هناك وساطة بينك وبين المشروع. لكن مع مراعاة الامكانيات المتوفرة.
الا يؤثر غياب المثقف عن القضايا الحساسة والنقاش الدائر على السينما؟
المثقف يحتاج في غالب الاحيان الى مساحة زمنية ونقدية مع الظواهر،حتى يتمكن على اثرها من تاسيس موقف منسجم مع افكاره. في بعض الاحيان،يكون اعطاء راي ما في قضايا انية متسرعا. الاجدر للمثقف الا يكون له رد فعل اني. يجب ان ياخذ وقتا كافيا في هذه الظواهر والقضايا،ليصل بالتالي الى اعطاء افكار لها بعد فلسفي ولها مسافة نقدية كماقلت سابقا مع الموضوع تؤسس لمفاهيم موضوعية.
هناك مبدعون يدلون بدلوهم في قضايا حساسة كالحريات الفردية،حرية التعبير من خلال وسائل الاعلام او الشبكة المعلوماتية.
الا ترى ان هذه الافكار تكون في الغالب فردية وغير منظمة،في ظل اختفاء مؤسسات ثقافية ابداعية؟
نعم معك الحق. السياق الذي كان يؤطر فترة السبعينيات تغير. كان المد اليساري قويا جدا ،وكانت لاعمال المخرجين بعدا نضاليا ودفاعا عن ايديولوجيات معينة،وفي اطار الحلم بمجتمع مغاير. وكان المثقف حاضرا داخله بشكل مباشر. وكان الطموح انذاك ان يكون المثقف عضويا. الان المجتمع تحول واصبح مركبا ومعقدا ،واصبح من الصعب ضبط الظواهر واستحال على المبدع الجواب في حينه عن ما يجري داخل المجتمع.لان القضايا المطروحة الان ،تخضع لاجندات دولية،اقليمية مسائل اخرى لها علاقة بما هو وطني. على سبيل المثال لا الحصر،الضربات الارهابية التي هزت كيان فرنسا.اول مانقوم به هو التضامن بطبيعة الحال ،ولكن قبل اتخاذ موقف ما،يحب ان تفهم مايجري اولا وندرك حجم تدخلات المخابرات لمعرفة اسباب واهداف هذا الحدث،ثم تاتي مرحلة وضع تصور عن ابداعك.
من قبل كان الصراع بين فئة معينة والمخزن وكذلك القضية الفلسطينية تمثل صراعا بين الفلسطينيين والاسرائليين.اليوم مازال هذا الصراع. واصبح صراع اخر بين الفلسطينيين انفسهم.
اما في المغرب،لم يعد هناك صراع واضح ضد المخزن ولكن هناك صراع ضد افكار، ضد الحريات الشخصية والفردية.
بعض المبدعين في الخليج وخاصة بالسعودية ومن خلال ستكومات ،واكبوا ظاهرة الفكر الارهابي وانتقدوا بشدة ،في شكل كوميدي؟
هذه المسالة موجودة وتخضع لصراع اقليمي واضح. فأطراف تدعم الفكر السلفي وأخرى تدعم الفكر الاخواني. وبالتالي فالصراع الدائر بمصر ليس صراعا وطنيا ولكن تداخلت فيه نزاعات اقليمية بسيناريوهات متعددة،يكون ضحيتها ذاك المواطن الذي يخرج في تظاهرات،لايعرف مراميها ولاحتى أسبابها،تتحكم فيها أيادي خفية.
ماذا عن أعمالك الفنية المستقبلية؟
أنتهيت مؤخرا من اخراج عمل فني عبارة عن شريط بعنوان “أفراح صغيرة” ،عرض بمدينة تطوان وانتظر عرضه بالقاعات السينمائية. هناك عمل كان متوفرا قديما عنوانه مؤقتا “اختفاء” ،كان عبارة شريط قصير وتم تطويره. بالاضافة الى أني أكتب وأبحث .
ماهو تقييمك للمهرجان الوطني لفيلم الهواة المقام بسطات؟
احضر لاول مرة لهذا المهرجان،لكنني اتابعه عن بعد من خلال الصحافة وشبكة التواصل الاجتماعي. مهرجان مهم جدا لانه يعطي فرصة لشريحة الشباب المهتمة بالسينما لعرض افلامهم ومناقشتها والاحتكاك مع المحترفين في الميدان وهم بالتالي مخرجو وتقنيو المستقبل ،وجب الانتباه الى هذه التجربة الرائدة ،لأن دور هذا المهرجان هو توجيه هذا المشروع ووضعه على الطريق الصحيح. وأظن أن المهرجان نجح بشكل كبير من الناحية التنظيمية وأعطى فرصة كبيرة أمام هؤلاء المخرجين الشباب للالتقاء وتبادل التجارب وهذا شي مهم جدا. وأشكر جريدة الأحداث المغربية على اهتمامها بالميدان السينمائي.
AHDATH.INFO – حاوره حسن حليم
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=566
عذراً التعليقات مغلقة