عيد الاضحى، يتحول السوق الى محج للآلاف من الباحثين على أضحية العيد، لكن ليس كل من يفد السوق زبون محتمل.
“أخبار سطات” تجولت في السوق و رصدت بعض المشاهد التي أصبحت تلازم كل عيد، مع اكتساح “للشناقة” و تواجد لافت لمحترفي الشهادة بالزور، و المتربصين بجيوب المواطنين.
الشناقة أسياد السوق
تجده في كل زاوية من زوايا السوق، لا تلتئم مجموعة أو حلقية صغيرة دون أن يكون جزءا منها بل و مسير نقاشاتها، حديثه على الأعم حول الانخفاض الكارثي في أثمنة الاكباش بالاسواق المجاورة، ملامحه غير غريبة فهو يتفنن في تغيير المهن، هو الكتبي عند الدخول الدراسي، و الحلواني، و بائع الخردة، و بائع مواد التنظيف… و اليوم هو فلاح بعمامة و جلباب صوفي غامق و لكنة بدوية مصطنعة، يقطع مداخل و مخارج السوق بخطوات رياضية سريعة و أعينه لا تحيد عن الشاحنات التي تدخل السوق محملة بالخرفان، إنه “الشناق” أو دركي بورصة سوق الاغنام كما يحلو للكثيرين تسميته.
“الشناقة” في المخيال الشعبي للمغاربة هم أولائك الأشخاص المتنكرون بلبوس الفلاحين، يقومون بشراء الأكباش من عند “الكسابة” بثمن مناسب، ثم يعمدون بعد ذلك إلى بيعها من جديد بأثمنة تفوق الثمن الأصلي، مما يؤدي إلى ارتفاع ثمن الأكباش بطريقة سريعة.
و “للشناقة” قواعد لعب لا يعلمها سوى الراسخون في لعبة “التشناقت”، فيعمدون بدهاء على الاتفاق فيما بينهم على تخفيض الأثمنة المعروضة، لتكون في صالحهم، بل أنهم يشكلون “لوبيا” حقيقيا داخل السوق، للتأثير على “الكسابة” ، وعلى الأثمنة وجعلها منخفضة، ويلجؤون من أجل ذلك الى عدة طرق في الشراء، أهمها اجتماع اثنين أو ثلاثة على كساب أو فلاح واحد يريد بيع كبش مثلا، فيعطيه أحد هؤلاء الشناقة ثمنا ويطلب منه أن يبيع سلعته قبل أن ينخفض الثمن بدعوى أن العرض كثير، بمجرد أن يسكت، وأحيانا يقاطعه شناق آخر، هو في الأصل شريكه، فيعطي لنفس الكساب ثمنا أقل من صاحبه الشناق الأول في محاولة منهما للتأثير على هذا الكساب، إلى أن يشتري أحدهما الكبش بالثمن الذي حددوه لأن الكساب في مثل هذه الحالات ليس له خيار. اللعبة تتحول من التوسل الى الكساب و تحديره في مرات كثيرة الى التحكم الجزئي في أسعار السوق مباشرة بعد وضع اليد على الاكباش ليتحول “الشناق” بقوة الواقع المفروض الى سيد السوق و الذي يتحكم في الثمن كما يريد، ضاربا عرض الحائط بكل بلاغات وزارة الفلاحة التي تتحدث عن وفرة العرض و عن استقرار الاثمان.
“للشناقة” منطقهم وطرقهم الخاصة في التسويق، فهم يعمدون إلى عدة حيل تضلل المواطن الذي يرغب في شراء الكبش، ومنها أنهم يقومون بتزين الكبش عن طريق قص صوفه، و تنظيفه حتى تتغير ملامحه، ويتحول من كبش عادي إلى كبش يثير انتباه المشتري الذي لا علم له بحرفة البيع والشراء عند الشناقة، وليس له دراية بعملية قياس جودة الكبش من قلتها، دون الحديث عن لجوء “الشناقة” إلى خدع أمكر وأخطر، كإرغام الكبش على شرب بعض المواد التي تجعله منتفخا وسمينا، مثل سقيه بالخميرة ممزوجة بالماء، وهي العملية التي تهدد بموت الخروف قبل يوم العيد المنتظر بأحر الأشواق.
في جعبة “الشناق” الكثير من الألاعيب و التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبدر من كساب سهر الليالي من أجل رعاية أكباشه، و حل متسلحا بالقناعة الى السوق لبيع منتوجاته، لذلك فإن الكساب في كثير من الأحيان، يتساءل باستغراب عن كيفية حصول الشناق على كل هذه الأرباح في وقت وجيز.
شهود تحت الطلب..
حكايا الاقناع لم تعد أمرا ثانويا داخل سوق الاغنام، فالنظام التجاري هناك طور نفسه بشكل جعل لعملية بيع اضحية العيد ميكانيزمات ووسائل لا غنى عنها، فلا يكتفي العارض كيفما كان “كسابا” أو “شناقا” بجودة معروضاته لاقناع المشتري، بل أضحى الاعتماد ضروريا على شهود تحت الطلب ليعززوا المقدمة التي يحفظونها عن ظهر قلب تتغنى بمناقب و محاسن الخروف، لكن تدخل طرف ثالث في الموضوع، يقسم بأغلظ الايمان ، و يرفع صوته و يديه الى السماء، و يهمس في ادن المشتري المنتظر يحدثه عن “الهمزة” و عن “الحولي الفابور” الذي بصدد شرائه، و في كثير من الاحيان تنطلي الحيلة بسهولة عن المشترين، و إذا رمت بهم اقدامهم الى احدى المقاهي الشعبية المنصوبة داخل السوق فعلى الأرجح سيشاهدون البائع و شاهده يحتسون كأس شاي منعنع و ضحكتهما المجلجلة تغطي صخب المكان.
حضي راسك لا يفوزو بيك..
حضي راسك لا يفوزو بيك القومان ، لازمة تتناقلها كل مكونات السوق، فالكسابة يحرصون منذ أن تطأ أقدامهم رحبة السوق على وضع اجراءات امنية صارمة لحماية قطيعهم، الكثيرون يعمدون الى تطويق الاغنام، و وضع شخص في مكان بعيد نسبيا و بزاوية نظر جيدة تسمح له بمراقبة كل صغيرة و كبيرة، و لا يبدوا بأن تحولق عدد كبير من الناس حول البضائع يخلق لديهم مشكلا مادامت الادوار موزعة جيدا، و العيون يقظة لما يجري و يدور، و رغم ذلك فإن أغلب الكسابة يتحدثون بتفاخر عن احباطهم لمحاولات نصب أو سرقة بفضل يقظة فريقهم الأمني.
رواد السوق بدورهم لا يتخلصون من فوبيا سرقة “ميزانية أضحيتهم” الا بعد أن يسلموها و يستلموا الخروف، قصص سرقات تعرض لها البعض على مدار السنوات الماضية تسيطر على مخيلة العديدين، و تجعلهم يتعاملون مع محفظات نقودهم كالقابض على الجمر، حركية غير عادية غالبا لا ينتبه اليها الجميع بالسوق، مع أشخاص لم يحضروا للسوق بغرض البيع أو الشراء، لكنهم لتأمين العملية، رجال أمن يتنكرون بملابس بدوية أو ملابس عادية يجولون السوق ذهابا و إيابا و أعينهم تتفحص كل الوجوه، بالنسبة لهم تسجيل عملية سرقة في حضورهم اهانة لا يمكن أن يقبلوها، لذلك فمؤشر اليقظة لديهم في مداه الأقصى.
غير بعيد عن باب “الرحبة” شخص في عقده الرابع يولول ويرغي، صراخه استرعى انتباه اشخاص تجمعوا حوله، ما يفهم من كلامه أنه تعرض لعملية سرقة لمدخراته، و هو الان يرثي حاله و حال أطفاله الذين ينتظرون بشوق خروف العيد، مما جعل العديدين بحركة سريعة يفرغون ما في جيوبهم من فكة و يضعونها في يد “الضحية”، أثار انتباهي صوت ضحكة مجلجلة لشخصين كانا بجواري يبدوا بأنهما فلاحان، تجاهلا نظرتي المستنكرة لصنيعهما، و أطلقا كلمتهما التي نزلت كقطعة ثلج باردة على قلوب جميع من كان بجوارنا: هاذا الشخص تمت سرقته بثلاث أسواق متتالية بالاقليم و أعقباها بضحكة مجلجلة، تحولت ملامح الشفقة الى غضب ارتسم على الوجوه بعد اكتشاف أن الشخص محتال و يتقمص دور ضحية السرقة ليجمع الصدقات.
تم النشر باتفاق مع جريدة الشاوي الاسبوعي
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=75
عذراً التعليقات مغلقة