رشيد بنكرارة
بعــــد مناورة الحوارات النقابيـة، والتعبئة المضادة، و الاقتطاعات من الأجور، من أجل العمل على إرجاع الأساتذة إلى الفصول الدراسية، لانقاذ ما تبقى من السنة الدراسية وتفادي سنة بيـضاء، دخــــــل الاحتقان بقطـــاع التعليم في المغرب منعطفاً مفصلياً بعد أن قررت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الاستعانة “بسلاح التوقيفات المؤقتة” عن العمل وتوقيف الأجور، في مواجهة الأساتذة الذين يقودون الحراك التعليمي منذ الخامس من أكتوبر الماضي، لإسقاط النظام الأساسي الجديد لموظفي القطاع ولتحقيق مطالبهم بتحسين أوضاعهم.
الخطوة التي أقدمت عليها وزارة بن موسى بعد استعانتها بالاساتذة المتدربين وتعيينهم بمؤسسات لسد “الخصاص” في خرق سافر للمواثيق التربوية، حيث وبعد مهزلة أوراش التربوية، تم تكليف متدربين بعملية التدريس دون تأطير وقبيل انتهاء فترة التكوين التي تعتبر فيها مرحلة التطبيق هي الأهم. فقد رصدت “أخبار سطات” قيام بعض المتدربين بتدريس الانجليزية لتلاميذ الثالث اعدادي عوض الفرنسية والاجتماعيات؟؟؟ ما يطرح تساؤلات حول مصير مبدأ تكافؤ الفرص بين العمومي والخصوصي من جهة، ومقاربة التجويد الذي اعتمده النموذج التنموي الجديد بوزيره بن موسى؟؟ خطوة تأكد ترصد الوزارة ونيتها بتعويض غير تربوي وذي انعكاسات خطيرة تفرض تدخل فرق التفتيش التربوي لتحديد موقفها، تنضاف لخطوة اقتصار تدارك الموسم الدراسي بعد تأخر لاكثر من ثلاثة أشهر، بأسبوع واحد فقط مع الابقاء على العطل وكأن شيئا لم يقع؟؟
التوقيفات المؤقتة عن العمل، التي توصل بها يـــوم الجمعة 5 يناير الجاري عشرات الأساتذة، من بينهم أعضاء في المجلس الوطني لـ”التنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم الثانوي التأهيلي”، يعملون في عدد المديريات الإقليمية، استندت فيه وزارة بنموسى الى مقتضيات الفصل 73 من القانون الأساسي للوظيفة العمومية، الشيء الذي اثار نقاشا قانونيا و حقوقيا واعتبرها عدد من المهتمين انها غير ذات مشروعية، لكونها لو كانت كذلك لما لجأت لها الوزارة في المراحل الأولى للحراك التعليمي في المغرب. في حيـــن اعتبر البعض اللجوء إليها اليوم، دليل على أن الوزارة وصلت إلى مستوى عدم قدرتها على إقناع الشغيلة التعليمية بالعودة إلى الفصول الدراسية و استعمالها كفزاعة ضمن باقي الخيارات التي لم تنفع في معالجة الحراك التعليمي .
النقاش الحقوقـي والقانوني لهذه التوقيفات المؤقتة أنصب كذلك على السند القانوني، الذي اعتمدته الوزارة في الفصل 73 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية، كون هذا الأخير صريح في منطوق فصله الرابع الذي يستثني رجال التعليم وعدد من القطاعات لوجود قوانين أساسية ذات الاختصاص القطاعي لبعض مقتضياته والتي لا تتفق والتزامات تلك الهيئات أو المصالح.
و من جهة أخرى، دخلت النقابات التعليمية المشاركة في الحوار مع وزارة التربية الوطنية للتعليم و الموقعة على مضامين اتفاق 26 دجنبر، هي الأخرى على الخط واعتبرت هذه التوقيفات إجراءات التعسفية ولا مشروعة ولا تزيد الوضع الا احتقانا واستنكرت هذه التوقيفات في بيانات متفرقة ودعت مكاتبها النقابية الإقليمية والجهوية لمواكبة ملف الموقوفين وتقديم كل اشكال الدعم لهم؟؟
وفي هذا الصدد، أصدرت النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الدمقراطية للشغل بيانا استنكاريا حول اللجوء الى مسطرة التوقيف اللامشروع عن العمل في حق العديد من نساء و رجال التعليم، و طالبت الوزارة بتوقيف هذه المساطر و ارجاع المبالغ المقتطعة عن الاضراب بشكل غير قانوني و لا مشروع و شددت على ضرورة احترام حق التظاهر و الاحتجاج السلمي المكفول بنص الدستور و المواثيق و العهود الدولية، نفس التوجه تقاطعت فيه مع الجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي، التي أصدرت بيانا “ضد القرارات الإدارية التعسفية، وضد انتهاك حرية الاحتجاج وممارسة الحق في الإضراب، و من جهتها؛ طالبت “الجامعة الحرة للتعليم” وزارة التربية الوطنية بـ”وقف كل التوقيفات التعسفية التي طالت مجموعة من نساء ورجال التعليم في العديد من الأقاليم والجهات، قصد توفير المناخ الملائم لإنجاح مجريات الحوار القطاعي واستعادة الثقة في مخرجاته، مؤكدة متابعتها الدقيقة والمستمرة لكل الحالات التي طالها التوقيف مع مسؤوليها الجهويين والإقليميين”.
من جانبه، رفض المكتب الوطني للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، “إجراءات التوقيف المؤقت عن العمل الذي أصدرته المديريات الإقليمية في حق بعض الأساتذة، على خلفية ممارسة حقهم في الإضراب المكفول دستوريا”.
في حين اكدت النقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل أن هذه التوقيفات المؤقتة عن العمل لمجموعة من نساء ورجال التعليم، بالإضافة إلى توقيف أجرتهم، هي قرارات متسرعة ومرفوضة، لكونها تقوّض مجهودات الحوار القطاعي الجاري حالياً، وتمس بالحقوق والحريات المضمونة دستورياً، كما دعت وطالبت المسؤولين بالتراجع عنها، واستنكرت الاقتطاعات من أجور المضربين، كما أكدت على ضرورة إنصاف جميع الفئات إنصافاً شمولياً لا يترك متضررين في منظومة التربية والتعليم، من أجل الرفع من منسوب الثقة داخل الحياة المدرسية العمومية بعد سلسلة من الاضرابات والاحتجاجات التي امتدّت لما يقارب ثلاث شهور.
و بذلك وجدت وزارة بنموسى ان فزاعة التوقيفات المؤقتة عن العمل وتوقيف الأجور ساهمت في ارجاع الاحتقان الى الحقل التعليمي من جديد، و خروج نساء و رجال التعليم في مسيرة احتجاجية حاشدة، بعد ان “انتفضت” النقابات التعليمية وأشهرت راية الشرود في وجه الوزارة والتفت حول المتضررين من هذه الإجراءات للبحث لها عن مواقع من جديد سحبتها من تحتها التنسيقيات التي نجحت في رص صفوف نساء و رجال التعليم و التفافهم حولها، ليجد بنموسى نفسه وحيدا، ويتأكد لمناصريه و السابحين في فلكه ان جرعة فرض الزجر والشطط كخيار لحل مشاكل القطاع لم تنفع من جديد.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=8587