تعيش عاصمة الشاوية، كجل مدن المملكة، على ايقاع حملات لتحرير الملك العام الذي أصبح مباح الاغتصاب من اطراف متعددة نهارا جهارا، بل أضحى اغتصاب حقوق الساكنة “حق” مكتسب لمتعالين على القانون وعلى المؤسسات، وقبل كل هذا، على جيرانهم وأقاربهم من ساكنة المدينة وزوارها. فالملك العام هو كل ملك مشترك بين الجميع، عكس الملك الخاص الذي يحكمه قانون الملكية الخاصة. فالعام هنا مشترك بين المجتمع من جهة، والدولة بكل مؤسساتها كراعية ومسؤولة عن تدبيره من جهة ثانية، وهو ما يميزه عن ملك الدولة الخاص.
اغتصاب هذا الفضاء العام المشترك يظهر انعدام الوعي المشترك بجوهر وروح مضمون الديمقراطية والحرية، ما يجعله يظهر بعشوائية صارخة في مجموع مجتمعات دول الجنوب، وبخضع لتنظيم مسؤول في دول الشمال كفرنسا والولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وغيرهم. فالوعي المشترك بأهمية احترام مبادئ تقاسم الفضاء العام هي مسؤولية تسائل الجميع من أحزاب وهيئات مدنية ومنتخبة بالاضافة لمختلف السلطات. الأكيد أن فشل المنظومة الحزبية الوطنية في تأطير المواطنات والمواطنين يتجلى في مناحي متعددة من الحياة العامة، وتبقى رؤية مجال تدبير الفضاء العام بكل أنواعه من قبل الاحزاب محدودة ومقتصرة على الهاجس الانتخابي في غالبيتها، وهو ما يطرح تساؤلات عدة عن دور الوساطة الحقيقية لهذه المؤسسات الاساسية والضرورية لتدبير الشأن العام بما فيه الفضاء العام.
إن الفضاء العام أو الملك العام من أزقة وشوارع وساحات ومساحات خضراء وشواطئ، له دور أساسي كمتنفس للساكنة لما يمثله من رحابة لها آثار نفسية ومعنوية عميقة على الساكنة، نقاط جعلت من الفضاء العام بكل مكوناته حق من حقوق الانسان المتعارف عليها كونيا، بل فرضت الهيئات الاممية ذات الاختصاص نسب أدنى من المساحات الخضراء والساحات المفروض توفيرها لكل مواطن. أمور تفرض على الساكنة وكل الفاعلين بالتجند الدائم للدفاع عن هذه الحقوق وحمايتها وفق القوانين ذات الصلة.
لماذا نحرر الملك العام وممن؟
تشكل عمليات تحرير الملك العام بسطات وبالمغرب عمليات دورية لفرض هبة القانون والدولة على الجميع. لكن لماذا تتم إعادة احتلال هذا الفضاء العام بعد تحريره بمجهودات جبارة للسلطات المحلية والقواة العمومية؟ عملية عرفت في السنوات الاخيرة اعتداءات جسدية على رجال السلطة والقوة العمومية، وهي حالات تفرض على الجميع عقلنة هذه العملية والحزم فيها وفرضها على الجميع. وهنا نود الاشارة إلى الدور الفعلي والعميق، بعيدا عن تقمص الادوار، الذي من المفروض أن يلعبه أعوان السلطة. هذه الفئة هي الثابت الغير متغير في جسم الادارة الترابية، والتي تعرف الشادة والفادة عن المتعسفين على الاملاك العمومية وتشعباتهم وتجذراتهم، ما يطرح مجموعة من التساؤلات حول الوظيفة الفعالة لهذه الفئة في الحفاظ على المكتسبات التنموية، وهنا لا نعمم على الجميع بل بعض الحالات المعروفة بسطات؟ و كيف يؤثر بعض من هذه الفئة في الفعل العمومي المحلي من خلال تقطيرها للمعلومات تارة ومدى تناغمها مع مصالح فاعلين محليين خارج ادارتهم؟
إن الاحتلال الذي تعرفه فضاءات المدينة يجب أن يرفع بلا رجعة، وبالانخراط المسؤول والجدي والفعلي لكل القوى المسؤولة دون التراجع الجبان للخلف للبعض للزج بالشرفاء في غيابات الجب لمآرب لا وطنية. و للحفاظ عليه فإنه آن الأوان لوضع استراتيجية توعوية للساكنة والعموم من جهة، والعمل على اعتماد التكنولوجيات الحديثة للمراقبة بالاضافة للزجر القاطع مع كل المخالفين. هكذا يمكن تفعيل les drones لمراقبة مستمرة للساحات والفضاءات العمومية، عوض الحملات المكلفة ماديا ومعنويا وبيئيا، كما يمكن اتخاذ مقرر جماعي لرفع قيمة المخالفات المرتبطة بكل أشكال المس بالفضاء العام لمبالغ مالية جد هامة رادعة. ليتفرغ رجل السلطة للادوار التنموية الحقيقية عوض هذه المطبات المتكررة.
إن الملك العام و الحفاظ عنه هو مرآة كل مدينة تعكس مدى رقيها ووعيها، ومن هنا فإنه لا يمكن خدش هذا المشرك بأي ذريعة كانت. بل يمكن تنظيم استغلاله لفترات معينة من الاسبوع في أماكن معينة تفرضها حاجة الساكنة. فمثلا تجزئات كل من مجمع الخير ومفتاح الخير هي بدون أسواق للقرب ما قد يدفع لايجاد اتفاق مشترك بين الجماعة والادارة والجمعيات المعنية لتنظيم أسواق جائلة محددة في الزمن والمكان كما هو معمول به في عدد من دول الشمال.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=9842