ذاكرة أخبار سطات.. صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الثامنة : كلنا أبطال ..

هشام الأزهري وعبد الحميد كرام

كانت بداية أبريل من السنة الماضية صعبة للغاية، وبدأ إيقاع الإصابات يرتفع شيئا فشيء وارتفعت معه التوجسات والمخاوف. بدا بأن الساكنة لم تعد في حاجة لرجال الأمن أو أعوان السلطة لكي يجبرونهم على احترام التدابير الاحترازية، الخوف أصبح المحدد الرئيس لكل الخطوات، وأضحت التحركات تخضع لأقصى درجات الاحتياط.

اقليم سطات شكل مند بداية الوباء نموذجا مشرقا لوعي ساكنته، وهو ما انعكس على أجواء التقدير المتبادل بين السلطات والمواطنين، كان شعار المرحلة هو تأمين المنازل حتى لا يتسلل الفيروس لداخلها عبر أحد أفرادها، وفي نفس الوقت كان الجميع على ثقة بأنه مهما اتخذت من إجراءات فردية فهي لا تكفي اذا لم يلتزم جميع “أو بشكل أوضح” أغلب المواطنين بالتدابير الاحترازية.

كانت صفحة “أخبار سطات” تلعب دور المواكب اليقظ لكل تطورات الوضعية الوبائية بالاقليم، ولعبت أيضا دور الوساطة والتبليغ عن المخالفات ببعض الأحياء. أخبرنا مسؤولون بالسلطة المحلية بأنه كانت ترد عليهم عشرات المكالمات من مواطنين يبلغون عن تجمعات متفرقة بالمدينة، يطالب أصحابها من السلطات بتسيير دوريات من أجل اخلاء بعض الأماكن، وكنا نتوصل أيضا بعشرات الرسائل تبلغ عن بعض التجمعات والتي كان أغلبها لا يتجاوز الفردين الى ثلاثة، ومع ذلك كان المواطنون ينشدون التطبيق الحرفي لهذه التدابير واحترام الحجر الصحي لأن الجميع تشكلت لديهم قناعة أنهم في مركب واحد وإن تساهلوا مع إهمال القلة بإمكان الجميع دفع الثمن غاليا.

في غالب المرات كنا نتحاشى نشر الرسائل ونستعيض عن ذلك باتصالات ببعض مسؤولي السلطة المحلية بمختلف الدوائر الإدارية، والتي كانت تعطي لعملية التحسيس ومناقشة المخالفين واقناعهم بالانخراط في تطبيق الحجر المنزلي الأولوية، وهنا اكتشفنا قدرات تواصلية عالية لرجال السلطة المحلية وقدرة عجيبة على الاقناع وعلى تقديم صورة صادقة عن التحديات المقبلة.

قررنا في “أخبار سطات” أن ننتقل للبث المباشر في شوارع وأزقة سطات، وأن نواكب جميع المبادرات التي اتخذتها السطات وانخرطت فيها بحماس فعاليات للمجتمع المدني، وفي الأيام الأولى حاولنا الحضور بالحملات المنظمة بالدوائر الستة للمدينة، وللحقيقة فقد شهدنا مشاهد تقشعر لها الأبدان حين يتوجه رئيسي دائرتي سطات السيد معاوية والسيد عبد اللطيف بخطابات وسط أزقة فارغة وأعناق مشرئبة من النوافذ بخطابات رفيعة تلخص واقع الحال في دقائق قليلة وتناشد المواطنين للمزيد من الصبر والتضحية بلغة تنفذ للقلوب لصدقيتها وواقعيتها، شهدنا مواطنين يردون التحية بأفضل منها من خلال عاصفة من التصفيق تنطلق من داخل المنازل وتتسلل من النوافذ لتنتزع دمعات التأثر من هؤلاء الأبطال.

من حسنات هذه الظروف العصيبة إن كانت لها حسنات أنها عرفتنا برجال من طينة خاصة رجال مخلصين للوطن وللضمير المهني، رجال لن نوفيهم حقهم مهما صورنا ومهما كتبنا ومهما قلنا، السلطات المحلية من العامل الى رؤساء المصالح تم الباشوات فرؤساء الدوائر فالقياد والشيوخ والمقدمون، عزفوا باقتدار شديد سمفونية واحدة بلحن الوطن فكانوا الأبطال الذين ستخلد أسماءهم في دفاتر التاريخ.

رجال الأمن الوطني من والي الأمن الى أقل عنصر في الرتب الادارية كانوا رحالا ونساء المرحلة ويكفي القول أنهم كانوا منخرطين في حملة مواجهة الوباء الى جانب مهامهم الاعتيادية في الحفاظ على أمن وسكينة المواطنين، نفس الأمر بالنسبة لعناصر الدرك الملكي والذين استلموا الى جانب مهامهم الاعتيادية والانخراط في تطبيق الاجراءات الاحترازية عملية التحسيس بالبوادي. وأيضا الابطال في القوات المساعدة والوقاية المدنية جميعهم استحقوا حب وتقدير الجميع لكل ما قدموه ولجرعة الأمل التي منحوها لساكنة الاقليم.

خلال البث المباشر على صفحة “أخبار سطات” ربطنا علاقة أكثر متانة مع متابعينا من خلال التفاعل مع ملاحظاتهم و الاجابة على أسئلتهم، كان الكثيرون يعتبرن أخبار سطات الأنيس في وقت الحجر والمصدر الموثوق للمعلومة، لكن سقف التطلعات كان مرتفعا، وكان الجميع يطالب بالتركيز على أعداد المصاببن بالاقليم بسبب غياب المعلومة، فقررنا أن نرفع الرهان ونركب التحدي ونضع حصيلة وبائية بشكل يومي وفق مصادر أخبار سطات الخاصة، وهي التجربة التي انفردنا بها على المستوي الوطني وطبعا عشنا متاعب لا تحصى في سبيل تنزيلها والاستمرار فيها وصلت حد تهديدنا بالمتابعة القضائية، ومحاولات التشويش علينا لذي مسؤولي المدينة بحجة أننا نقدم معلومات غير متوفرة للعموم، لكن إصرارنا وعزيمتنا كانت أكبر وثقة متابعينا وتشجيعهم جعلتنا نستمر في نشر الحصيلة الوبائية وفق مصادرنا والتي كانت في أغلب الأحيان مغايرة للأرقام التي قدمتها الوزارة لكن ساكنة سطات كانت متيقنة بأن أرقامنا هي الأكثر دقة، فتحولنا للمزود الرئيسي لمختلف وسائل الاعلام الوطنية بالمعلومة داخل الاقليم، حتى أن جرائد وطنية كتبت بالبنط العريض: صفحة على الفايسبوك تنوب على مصالح وزارة الصحة في تقديم المعلومة الوبائية..

في الحلقة المقبلة:

حرب المعلومة ..

في الحلقات السابقة:

الحلقة الأولى:

ذاكرة أخبار سطات.. صحافيون في قلب الجائحة .. الجزء 1 : قبل العاصفة

الحلقة الثانية:

ذاكرة أخبار سطات : صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الثانية : الحيرة

الحلقة الثالثة:

ذاكرة أخبار سطات: صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الثالثة: الهوس

الحلقة الرابعة:

ذاكرة أخبار سطات: صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الرابعة: هي فوضى ..

الحلقة الخامسة: