يبدو أن مشاكل الإدارة التربوية المعيقة لحسن تدبير المؤسسات التعليمية تكاد تنشطر عن مشكل رئيس يكمن في سوء تمثل مفهوم القيادة التربوية و كأننا هنا نستدعي الأطر المرجعية لمترشح يريد شغل مهمة قائد تربوي بمؤسسة تعليمية ( مدير ).
إن الحمولة الذهنية عن مفهوم هذه القيادة عند أغلب أطر الإدارة التربوية تكاد تتوحد في كونها ذهنية منسوخة عن طرائق قيادة جماعة القسم، حيث يبدو الأستاذ مثالا يحتذى في التفاني و الجدية في العمل، و يتسم بامتلاكه معرفة تخول له ذاك ” الاعتبار الذاتي” الذي يزيد إشعاعا بقيمة الإخلاص في العمل، و قد يصل هذا الاعتبار الذاتي طورا تصبح فيه شخصية الأستاذ من منظور التحليل التربوي مكافئة لديكتاتور تربوي، لا ترى جماعة القسم إلا ما يراه هو عبر نظارته المعرفية و الخلقية….
غير أن نقل مفهوم قيادة جماعة القسم هذه بما يعتورها من علل و نقائص أحيانا، إلى جماعة أكثر اتساعا و أقل انسجاما، هي جماعة المدرسة، يجعل الحقائق التربوية تتكشف آنا بعد آن، و ينهدم البناء لبنة لبنة، حتى نلفي في الأخير دوامة من مشاكل تعصف بأحلام المدبر التربوي، و تجعل مشروعه الشخصي الطموح للارتقاء بجودة المؤسسة التعليمية و بتحسين تدبيرالحياة المدرسية، في مهب الريح؛ ذلك أن ” النيات وحدها لا تكفي”، بل لابد من الاعتقاد الجازم أن النتائج تكون بحسب مقدماتها، و ما دامت هذه النتائج مأساة تربوية ظاهرة للعيان، فلابد من إعادة النظر في مرجعيات الإدارة التربوية كما هي في أذهان من يشغلها…لأن الخلل كل الخلل في مبادئها و منطلقاتها….
هذا التمثل الخاطئ عن القيادة التربوية تظهر آثاره سريعا على سلوكات المدبر التربوي من خلال:
أ ) تعطيل أسباب التواصل:
بينه و بين مكونات اللحمة التربوية التي يشاركها تفاصيل الحياة المدرسية، فالمدبر التربوي لا يعمل جاهدا على إذابة جليد القطيعة الابستمولوجية التي فرضتها أدبيات التربية و التكوين في أوقات سابقة، بين المدبر ككيان له سلطة مادية تقربه من أداء مهمة ” المخبر ” و ” رئيس مصلحة أشغال عمومية “، و بين باقي مكونات العملية التربوية التي تتم في المدرسة، و لعل أبرز هذه العناصر ” الأستاذ ” الذي بقي في الظل باعتباره المسؤول الأوحد عن انحدار المسار التعليمي في بلادنا، و هو الشماعة التي تعلق عليها كل أنواع الفشل، حسب الأدبيات نفسها التي تعمل على تقليص صلاحياته، بما يروم تعطيله عن مهمته الأصيلة في التوعية و نشر القيم… عن قصد أو غير قصد.
ب ) عدم المرونة :
قد تكون متأصلة في المدبر التربوي، و قد تكون طارئة بفعل الأعباء الجديدة التي تفرض قيودا على صاحبها، فتدفعه إلى اتخاذ قرارات خاطئة من الناحية الأدبية و العرفية، و إن كانت صحيحة من حيث الشكل و المضمون القانوني و مساوقة للمساطر الإدارية….لأن القرار خرج خديجا و لم ينضج على نار الحوار الهادئ و النقاش المقنع.
ج ) الانكفاء على الذات :
يصبح مكتب المدبر التربوي مثل قاعة لإدارة الحروب، و كأن القائد التربوي في معركة عسكرية، يصدر التعليمات من القيادة العليا، و لا يريد التشويش على قرارته لأنها مصيرية، فلا يخالط أحدا إلا أربابه و زبانيته… بهذا السلوك يعتبر المدبر التربوي منكفئا على ذاته، يعالج الأوراق في غفلة عن الحقل التربوي الذي يجب أن يغشاه في سيرورة غير متناهية.
د ) عوز المهارة و الكفاءة :
إحدى مقاتل المدبر التربوي عدم استعداده الفطري للتدبير و القيادة، و مع ذلك فإن له مساحة كبيرة للمناورة و تجاوز هذا العطل الجبلي، و ذلك بتمهره في كثير من ميادين معرفية وإبداعية مختلفة، إلا أن الشيء المعيب في حقه هو أنه لا يفعل ذلك، و لا يبذل جهدا لتغطية هذه الهوة العميقة، فيصبح تبعا لذلك وعاء خاويا يسمع طنينه عند أول نقاش أو حوار أو تسيير لجلسة، فتحدث مشاكل لا تعد و لا تحصى، بينه و بين الأستاذ الذي غالبا ما يبخسه من وجهة نظر تقليدية تواترت عنه و عن ممارساته اللاتربوية،البعيدة عن المهنية الحاذقة، و القريبة من التسلط و إدارة المقاولة العائلية ذات النفع المحدود….
هـ ) عدم الإلمام بالقوانين و التنظيم الإداري
الإلمام بالقوانين أعز ما يطلب بالنسبة للمدبر التربوي الفاشل بغية إرهاب الأستاذ، لكن للأسف الشديد، حتى هذا الأمر انحسر في فئة قليلة من المدراء، مما ترك صدى مدويا في منظومتنا التربوية، يقول : إن المدبر التربوي رجل أجوف، دعته الضرورة المادية و تغيير أجواء القسم، للجنوح نحو هذا المسلك الوظيفي الذي لم يكن عن قناعة مبدئية….
تلكم في نظري أهم معيقات التدبير التربوي المثمر، التي سنحاول تصحيحها من خلال مقال قادم يرصد ملامح شخصية المدبر التربوي الذي نحلم أن يغشى مؤسساتنا التربوية ليحيل غبشها إلى إصباح و حركتها العشواء إلى استقامة دائمة، كي تتحقق رسالتها التربوية التي تصحح أوضاع المجتمع.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=457
عذراً التعليقات مغلقة