يوم أمس الاربعاء 12 يونيو، انتهت الجولة العادية من امتحانات البكالوريا بالمملكة، بعد امتحانات جهوية وأخرى وطنية. امتحانات لن نناقش موضوعها المعرفي، ولكن بالأحرى أجواءها وتأثيراتها المتعددة. فامتحانات البكالوريا تظهر لنا تناقض مجتمعي صارخ، ففي الوقت الذي يتم الترويج فيه طيلة الموسم الدراسي لانعدام جدوى التعليم والمعرفة والدراسة، وتسلط الاضواء في الاعلام والتلفزة وغيرهما على نماذج ناجحة دون معرفة وعلم، وتختصر لنا معادلة الحياة والنجاح فيها بكم الثروات المكدسة بأي وسيلة كانت، وليس بكم المعارف والعلوم والآداب والفنون المحصل عليها؛ يصبح النجاح في المدرسة أمرا ضروريا ومهما؟!
في هذه الامتحانات الاخيرة عشنا على ايقاع حالة انتحار تلميذة آسفي، وفي اليوم الموالي أخرى في تطوان تغمدهما الله بواسع رحماته، حوادث تستوقف الوجدان والالباب والضمائر وتؤثر في كل جبار عتي، غير أننا، وحفاظا على نفسية بناتنا وابنائنا الذين كانوا في سفينة الامتحانات، رفضنا تناول الموضوع إلى حين رسو السفينة بسلام وبعد أن وضعت الامتحانات أوزارها.
انتحار شباب في بداية مشوارهم، أمر يفرض الوقوف والتأمل، كل من زاويته، وترتيب المسؤوليات واتخاذ الجزاءات. فانتحار شاب هو انتحار مستقبل، هو تدمير نفسي لجيل بأسره، وسياسة النعامة لا تواجه الواقع بكل عقلانية لايجاد الحلول.
لن نتحدث عن الواقع الاجتماعي لشابة آسفي، لكن نود مناقشة رسالة الهالكة الضحية، وتصريح رئيس مركز الإمتحان، وبلاغ الأكاديمية بل وسياسة وزارة التربية الوطنية وأساتذتها. رسالة التلميذة الشابة، وهي تحمل عبارات ينفطر الفؤاد عند سماعها، جاء فيها ما يفرض تحقيق قضائي مع الاستاذ المكلف بالحراسة الذي، وحسب تصريح الضحية، قال لها جملة لا تمت لعالم التربية الوطنية بصلة. حالات رصدناها كذلك بسطات من خلال سلوكات شادة للمراقبات والمراقبين الذين يقومون بمهمتهم خارج إطارها القانوني والتربوي والقيمي. نحن لا نقول بانه يجب التغاضي عن الغش، بالعكس يجب زجر كل حالات الغش بكل القاعات وكل مراكز الامتحان لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص على كل بناتنا وأبنائنا، فالتدخل يجب أن يكون ببعد تربوي وبيداغوجي يراعي مجموعة من المعطيات.
في هذا السياق نطرح تساؤل عن دور الوزارة المعنية، فهل تقوم بتكوين لكل الطاقم التربوي الذي سيقوم بمهام المراقبة، أم أن ميزانية الامتحانات يتم فقط توزيعها بسخاء على من لا يقومون بمهام لها آثار مباشرة على التلميذ.
هذا الاخير الذي من المفروض أنه في صلب العملية والسياسة الوزارية؟ أكيد أن المراقبة هي من أصعب المهام التي يقوم بها المدرس، لكن عليه استحضار حساسيتها ودقتها. أما لجن المراقبة القادمة من المديرية والاكاديمية فعليها أن تتحلى بأخلاق وقيم عالية، فكل مترشح بريء من الغش إلى ان تثبت ادانته، وليس العكس. والقانون بدون روح يفقد بوصلته ومراميه وأهدافه. جو الامتحان هو من مسؤولية الوزارة وليس جمعيات الاباء، فللوزارة ميزانية ضخمة وجب ترشيدها مع الاهداف ومصلحة التلميذ بالدرجة الاولى.
حالة آسفي يجب أن تكون منبها لنا جميعا، أسرا ومجتمعا ووزارة وإعلام، ليتم التعامل مع هذه الفئة الهشة بكل ما تفرضه من حزم وقوة حتى لا تتكرر. فتصريح المدير لا يمكن إلا ادانته، فهو لم يسجل حتى اسفه للواقعة!! أما الاستاذ المراقب فقد يستوجب متابعته بتهمة القتل الغير العمد في حق الهالكة، حتى تتبن كل حيثيات الواقعة أمام القضاء، أما الوزارة وأكاديميتها، فانهم لم يقوموا حتى بارسال لجنة للمؤسسة ووضع خطة مستعجلة للمصاحبة والدعم النفسيين لزميلات وزملاء المرحومة الضحية… زملاء كبتوا همهم وحزنهم ولم يتوانو عن تصوير مقعدها الفارغ. مقعد فارغ من مترشحة لاقت حتفها، من وزارة فقدت تربويتها، من أسرة استقالت من مهامها ودفئها العائلي، من مجتمع فارغ من قيمه وتآزره مع الاحياء وليس الاموات. رحم الله الفقيدة وكان الله في عون زميلاتها وزملائها وأساتذتها، ورحم الله مسؤولين يتعاملون مع الانسان كرقم ليس إلا.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=9124