في عالم الاقتصاد فإن المقاولة تختلف عن الجمعية بالهدف الربحي المعلن منذ التأسيس، مفهوم تجدد التأسيس الفلسفي له في القرن 18 مع “كانت” و”لوك”، ثم الاقتصادي “آدم سميث” صاحب نظرية ” دعه يعمل، دعه يمر”. مع مرور الزمن وتحقيق الثروات والارباح من قبل الشركات وتضاعف عدد الاغنياء بالدول التي اعتمدت هذه النظريات، خصوصا بريطانيا والولايات المتحدة الامريكية وغيرهما، اتضح لذوو الألباب في هذه المجتمعات، بأن المقاولة يجب أن يكون لها أهداف أخرى غير الربح فقط. فالمقاولة كما لها هاجس الربح الاقتصادي المشروع، فإنها عليها كذلك العمل على الأخذ بعين الاعتبار البعدين الاجتماعي والبيئي في كل أنشطتها وعلاقاتها مع شركائها. فالمقاولة المواطنة هي إذن تلك المقاولة التي تتعايش فيها مرامي البعدين الاقتصادي والاجتماعي. بصيغة أخرى، في مجال مقالنا المرتبط بالمقاولة العقارية، فستكون مقاولة مواطنة إن عملت على تطبيق نظرية “رابح/رابح” في الشق الاقتصادي والاجتماعي البيئي مع كل الاطراف.
بمدينتنا سطات، التي تترامى عليها الضربات وتأبى إلا أن تكابر وتقاوم بعنفوان أجدادها وحكمة تاريخها العريق وجغرافيتها المميزة، هناك بعض المقاولات العقارية لا يمكن لنا أن نصفها البثة بالمواطنة. فجولة بسيطة بسطات تجدنا أمام غابة اسمنتية قوضت تصاميم التهيئة لصالح ارباحها الاقتصادية دون مراعات البيئة والجمالية والخصوصية التي يفرضها موقع وتاريخ سطات. فتحولت المنازل الشاسعة إلى شقق ضيقة يتم بيعها بأثمنة تقارب أثمنة البيضاء ومراكش؟ وأن تجد مدينة بطابعها القروي الذي يجب تحويله لمفخرة واعتزاز لهذه الرقعة، خصوصا ونحن نعيش على إيقاع تحدي الأمن الغذائي، بعمارات ومنازل من ثلاث وأربع طوابق أو أكثر، فإنه واقع يسائل كل القيمين على التعمير والعقار من جهة، وكذلك المقاولات العقارية من جهة ثانية والتي راكمت ارباح من هذا الوضع. والغريب في هذا الواقع هو أنه على الرغم من توفر العرض العقاري بسطات بشكل كبير والذي نلاحظه من خلال جولة بسيطة بين أحياء المدينة، وإحصاء عدد الاعلانات على المنازل والبقع التي تحمل عبارة “منزل للبيع” أو “شقة للبيع”؟؟ شجع جعلنا نجد أحياء على مساحات شاسعة، دون مرافق عمومية ضرورية، أما الحدائق والمساحات الخضراء، فأصحاب العقار يقولون لنا “سيرو شوفوهم في العروبية” ؟؟ حتى المساجد، رغم حرمتها الروحية لم تسلم من هذا الجشع، فمن مسجد كبير بموقف للسيارات، أصبح لدينا مسجد ” على قد الحال”، أما موقف السيارات فإنه اصبح بقعا سكنية للبيع (في الحقيقة هذه “نظرية اقتصادية دينية”، اللي بغا يجي للصلاة يجي على رجليه وكل خطوة بعشرة ديال الحسنات، “الوقود يمكن ممحسوبش”)
مقاولاتنا العقارية بسطات، الحمد لله ليس الكل ونحن لا نعمم، لها بعد وحيد وأوحد، وهو الهدف الاقتصادي، فثمن البيع المرتفع والذي يقفز بسطات من واقعها الحقيقي إلى مصاف مدن كبرى كمراكش والدارالبيضاء، مع العلم أن هذه المقاولات تقتني الاراضي بثمن بسطات أقل بكثير من ثمنها بهذه المدن للمحظوظين منهم، أما الجانب البيئي، فيكفي القول عن إجمالي المساحات الخضراء والمراقف والمنتزهات ومقومات العيش المنصوص عليه دستوريا وقانونا وفق المعايير الدولية والوطنية، بأحياء جديدة بالمدينة أصبحت أرخبيلات أسمنتية بلامرافق.
ونحن بصدد الاعداد لهذا الملف صدمنا بمجموعة من الحقائق التي تفرض على كل المتدخلين القيام بواجبهم، فلا أحد فوق القانون، ولا يمكن أن يتم خلق “بلدية” داخل جماعة ترابية منصوص عليها في الدستور فقط لارضاء “دورية من الرباط”؟ دورية، أقل ما يمكن أن يترتب عنها هو توقيف كل الخدمات الجماعية بكل تراب التجزئة المعنية. موقف سبق ان اتخذه أحد رؤساء البلديات المغربية في ثمانينات القرن الماضي، مع وجود الفارق. نتسائل عن المقاولات المواطنة، ولكن علينا التساؤل عن المواطنين المواطنين، وعن المنتخبين المواطنين، والاداريين المواطنين، وكل من له مسؤولية هل هذه المسؤولية ينفذها بأبعادها المواطنة، أم تخدم توجهات معينة بعيدا عن التنمية والديمقراطية والشفافية وتسبيق المصلحة العامة للمدينة على المصالح الربحية الضيقة.
تحدثنا في هذه المادة عن احترام مفهوم المقاولة المواطنة في العقار لشموليته محاسباتيا، وسنحاول الحديث في مستقبل الايام عن “مقاولات تعمل على التعويضات والردهات الادارية لتحقيق اهداف غير مواطنة بكل موضوعية معروفة فينا” بعيدا عن أخلاق لا تتوفر فيها، ولا عن شرف انتماء لوطن تخونه بالانقضاض على فرصه مستعينة ببقايا تستنجد بفرص الماضي للاستقواء والاستعلاء وكما لو أن المملكة تسير وفق مضابيط عشوائية، غير واعية بالتغير العميق الذي نعيشه.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=9077