كاتب مغربي ل”محمد السادس”:أدعوك لزيارة جزيرة “سطات”المفقودة!

هيئة التحرير
غير مصنف
هيئة التحرير27 يناير 2016آخر تحديث : الأربعاء 27 يناير 2016 - 8:53 مساءً
كاتب مغربي ل”محمد السادس”:أدعوك لزيارة جزيرة “سطات”المفقودة!

والنوايا الميتة، أما ملامحها فقد فَقَدَت نَضارتها. تلك هي صورة المواطن والمواطنة، صغيرا وكبيرا، بمدينة سطات. 

في خطواتهم لا يلتفتون أبدا كأنهم خائفون من رؤية شيء لا يريدونه أن يعود؛ وفي تقدُّمهم سيرا لا يرفعون رؤوسهم فتجدهم يغضّون الطرف عن النظر بعيدا، يتَملّكهم نفس الخوف أن يروا ظلاما وهاوية أو حريقا.

إنهم خائفون ، قلقون بعدما اكتشفوا أن مصائرهم قد ضاعت في البحث عن شيء لا يعرفونه؛ والأسوأ هو اكتشافهم أن سطات تحولت إلى جزيرة مفقودة لا أحد ينتبه إليها .. تاهت كما الأيام والليالي التي تجري بلا حساب!

إنها ليست بلاغة الشاوي في لحظة ضجر وارتياب، ولكنها الحقيقة التي كنا نخفيها دائما خلف صخب الحياة وضحكاتنا المجلجلة وهي تطرد الظلام في ليالينا على سهول المزامزة بجوار أولياء وصلحاء ناموا ولم يلتفتوا إلى ما نحن فيه الآن.

لو كانت لي سلطة مّا، لدَعَوتُ كل ساكنة سطات ( الأحياء الموجودون والأموات الذين قضوا منذ الزمن البعيد) الخروج ساعة الفجر، بنفس الخشوع القديم، وبنفس الأقدام الجريحة والحافية، والرؤوس العارية إلى السماء؛ الخروج للقاء ربِّنا والشكوى من حالنا بعدما جفّت أثداء الأمهات ومآقي الرجال، ثم ندعوه بقلوب دامعة، أن يُفرج عنا هذه المحنة العظيمة التي توجد فيها مدينتنا ولم يعشها أجدادنا في أشدّ سنوات المسبغة والأوبئة. فقد بات من الأكيد أنها مدينة متروكة لقَدَرها حتى تندثر وتموت، أو تعود إلى ما كانت عليه قبل قرون، ممرّا للعابرين وفضاءً لاختبار الروح.مدينة خاملة بلا ملامح فَقَدَت كل شيء ولم يَعُد لوجودها داع، كما لو أنّ زمنها الافتراضي قد انتهى وفات.

ثانيا:

في هذا الأسبوع [نحن السكان الأصليون، خميرة الشاوية العظمى وآخر السلالات الطاهرة من دم المحاربين الذين دافعوا عن شرعية الحياة في هذه الأرض]  جميعا  وكل ليلة، نرى حُلما متشابها مما يثبت صدْقِيّته ( وهذا لا يدخل في باب البلاغة أو العجائب وإنما هي رموز وإشارات للدنو من تلك  الحقيقة الهاربة) رأينا رجلا يلبس الحرير الأبيض الذي زاده نورا ومهابة ، فبدا شامِخَ القَدْر، دخل سطات على فرس أدهم يسير فوق زرابي حمراء  في منتصف النهار  مارّا من وسط المدينة بجوار القصبة الإسماعيلية يحيط به، دون حاجز أو عسّة، جميع ساكنة سطات في دنو منه يبكون ويضحكون متلمّسين ملابسه النورانية وهو يمسح دموعهم ووجوههم.

وسمعنا السكان يقولون بأصوات مفهومة وواضحة : (إنه سيدي لغليمي. بل إنه سيدي بوعبيد ، بل إنه السلطان المؤسس المولى إسماعيل، بل السلطان المولى الحسن الأول) ثم اختلط علينا الولي بالحاكم، الحقيقة بالخيال، الماضي بالحاضر … ولكننا مُطمئنون.

غير أن صوتَ امرأة، خلفها أبناؤها الصغار ينتظرون أن تُرضعهم، قاطعتهم وهي تُصحِّح لهم: بل إنه مَلك الفقراء أيها الناس الذي غاب طويلا عن هذه مدينة أحبها أجداده وعاد اليوم ليُقيم بيننا ويرفع عنا ظلم الظالمين.عاد بعدما اعتقدتم أنه لن يأتيكم.

كانت على وجهه مسحة حزن وغضب حاول إخفاءَهما. تقدم نحو ساحة القصبة ثم توقف. أقسم البقاء على فرسه، ولن ينزل حتى يستمع إلى أنينهم الذي عمَّ كل الفضاء، ويُطهِّر هذه الأرض من كل المُفسدين الذين استطالت شوكتهم واستباحوا كل شيء.

تقدّمَ الأول، بلا كِتاب، فتكلم بإسهاب عن فوضى البناء والعمران والمضاربات وتجميع الناس في صناديق حتى باتت المدينة تجمعا عشوائيا بلا تصميم يعطيها خصوصية. أين الحدائق والبنايات الجميلة والمؤسسات الثقافية الراقية التي تعكس حضارة الروح؟ أين المتاحف والمسارح ؟. ولماذا يعلو صوت المضاربين وأصحاب المال فيرسمون للمدينة اتجاها جنوبيا وغربيا ويسدون بابها الشمالي والشرقي. أين المشاريع الكبرى، أين الهوية العمرانية للمدينة؟ لا نريد مدينة تشبه المقبرة.

ثم تقدم الثاني والثالث والعاشر، بلا كِتاب، فتحدثوا عن مدينة امتلأت بالفقراء والعاطلين وغابت عنها المصانع والمعامل والاستثمارات الحقيقية.أين نحن من دعم الفلاحة والفلاحين وتهيئ الطرق وبناء المؤسسات القادرة على النهوض بمدينة وقبائلها نهوضا حقيقيا يعطيها الأمل والأمان والضرب على كل من سرق وأهان.

نريد مدينة منفتحة تتفاعل مع محيطها الذي هو أساس وجودها، من المزامزة وأولاد سعيد وأولاد سيدي بنداود وأولاد بوزيري .. منبت الرجال والنساء من العلماء والمجاهدين والمجاهدات ، وليس فقط القمح والشعير.

نريد مدينة ذات هوية وخصوصية في إنتاجها ومعارفها، وجزيرة معلومة لا مفقودة.

ثالثا:

لا أحدَ استسلمَ للتعب أو انتبه للزمن الذي مرّ مثل خَفْقة جناح طير سريع. ساعة أخرى وسيؤذن للفجر، مؤذن المدينة بالجامع العتيق. تقدم آخر المتحدثين ، واحد من سكان المزامزة الجنوبية، ولد محمد بن عبد السلام، الذي كشف أن هذه المدينة  كانت بستانا كبيرا كله عيون من المياه أخفاها الرومان، ثم جاء البورغواطيون فحوّلوها فضاءً للعبادة لأنهم اعتقدوها أقرب نقطة إلى الله سبحانه وتعالى؛ فحافظوا،بدورهم، على سِرِّيتها،واعتبروا واحدة من تسعة عناصر في هذا الوجود : هذا المكان والشمس والقمر والغروب والشروق والتراب والماء والهواء والهدهد.

ومع مرور الزمن استوطنها العُبّاد والصلحاء من كل جهات المغرب، فاستقروا مُحاطين برجال شُجعان وأبرار. وفي مرور مقصود للسلطان المولى إسماعيل قررّ تكريم الشاوية بهذا المكان بأن جعله مركزا حضريا وحضاريا ظاهرا للعيان فأسس للقصبة الشهيرة؛ وحفظ الملوك، من بعده، هذه السر والعهد فكانوا يجدون في هذا المكان الدعم الدائم من الحبوب والخيول والجنود الشجعان عبر كل هذا التاريخ . إنه فضاء سحري كل من دخله يُشفى من التعب والإرهاق والملل وينام، وفي ذلك حكايات شتى .

واستطرد المتحدث أمام ملك كل المغاربة بأن هذا الفضاء كان دائما، على مرّ التاريخ، أرضا زاوجت بين وجود مجاهدين كبار وعلماء وفقهاء يصعب حصر أسمائهم الكثيرة جدا. وتساءل كيف يحصل لهذه المدينة ما حصل لها في هذا الزمن ؟ فهذه باديتها المحيطة بها في إهمال تام، وأهلها تُرِكوا فريسة في يد من لا دراية لهم إلا بالبحث عن مصالحهم الشخصية.وأشار بتفصيل إلى حالة الطرق بالمزامزة الجنوبية ومنها الطريق رقم 316  وما تفرع عنها من طرق ترابية بالتوفنة لم تحترم المواصفات المطلوبة في جو من الاستهتار، فالشركة المكلفة تعمل دون إخبار الفلاحين وتعيث في بلاداتهم دون مشورتهم ودون الرجوع إلى الأصول . مثلا في الطريق المزمع تهيئتها والمتفرعة عن مدرسة أولاد عزوز المتوجهة نحو مقبرة مولاي يعقوب (حوالي 3.8 كلم ) حيث عمدت الشركة المكلفة بالأشغال، بعمالها وتقنييها ،إلى العشوائية دون العودة إلى التصاميم الرئيسية، وأخذ بعض مسؤوليها رشاوى لإتمام ما خرّبوه.. لكنهم تركوا الفلاحين لتوفنة خارج المواصفات. وكذلك الطريق المتفرعة  نحو الحفاية.

رابعا:     

إن مدينة سطات الحقيقة باتت مفقودة تحت أنقاض اللامبالاة والإهمال، وإحساس المواطنين بأن الدولة قد تخلت عن المدينة وساكنتها وجعلتها فضاءً للعبور كما كانت قبل قرون سنة خلت،وفي نفسهم ضيم كبير أن مدينتهم مهملة – عن قصد أو غيره – متروكة لمصيرها، لم يشفع لها تاريخها الاقتصادي ولا النضالي خلال المائة سنة الأخيرة على الأقل.

سطات اليوم في حاجة إلى مجهودات خارقة للنهوض بتنميتها وجعلها قطبا حقيقيا،  له خصوصياته التي تستكمل خصوصيات الجهة كلها..فهي تمتلك ثرواتها الطبيعية وموقعها الجغرافي ومناخها الصحي وثروة بشرية استثنائية..وهذا الأمر بات ضرورة استراتيجية لتأهيلها على كافة المستويات وربطها بعقلها وبالتالي بكل المستجدات.كما تحتاج المدينة إلى جمعيات حقيقية تعمل على مشاريع واضحة وكبرى وليس إلى مهرجانات موسمية  لا أفق لها. الأمر نفسه يقال على الجانب الرياضي، فقد بلع سوء التسيير والتدبير وغياب الأفق  أن غابت العديد من الرياضات  وتحول الرمز الرياضي للمدينة ( فريق النهضة السطاتية)بعدما كان فريقا كرويا كبيرا ،إلى نكتة في الرياضة الوطنية وهو الآن بقسم الهواة وربما بعد سنوات قليلة لن نسمع به ويتحول الملعب البلدي إلى مجرد ذكرى لفريق كان وقضى ..فتفقد مرة أخرى المدينة شئيا جديدا من خصوصياتها وقوتها.

من وراء تدمير كل شيء جميل بالمدينة ؟بدءا من تاريخها الذي لا تملك له متحفا أو إطارا يجمع كل الإرث الثقافي للمجتمع الشاوي عبر العصور؟ ومن يسعى إلى بذر الجحود والنسيان: فلا شوارع تحمل أسماء رجالات المدينة والشاوية من كبار المجاهدين والعلماء ؟ولا أفق للمسؤولين الحاليين ، في جل المستويات التي تتحكم في مصير هذه المدينة ، ولا تصور لهم حول كيف ستكون سطات في 2020 و2030..وهل جلسوا يوما إلى نخبة المدينة،من كل القطاعات والمعارف، للتفكير في هذا المستقبل المتردد والتخطيط له بجدية ..أم أن تسيير مدينة لا يحتاج أكثر مما يحتاج إليه صاحب “محلبة لبيع الألبان !!!

إن المدينة، اليوم، في حاجة إلى مراجعات جذرية في كل شيء  لنفض الغبار عن الهوية التي تستحقها ، لأنها المخرج من أزمة حقيقية تعيشها، عبر مشاريع كبرى تكون قاطرة التنمية،تربط سطات  بمحيطها من القبائل المشكلة لها  والمفتوحة عليها، وذلك بخلق مشاريع صغرى فلاحية أو مرتبطة بالفلاحة وإنجاز الطرق المعبدة .

إن قبائل المزامزة ، جميعها، هي قلب المدينة ..والضرورة تقتضي الالتفات إليها والبحث عن حلول لمشاكلها من خلال خلق بنيات فاعلة في الصحة والتعليم والتكوين والطرق،وأيضا محاربة كل السماسرة الذين عاثوا في البلاد فسادا  وساهموا وما زالوا يساهمون في تشجيع البناء العشوائي.

ولعل أهم مَكرُمة ما تزال قائمة في هذه المدينة ، هي منارة العلم والمعرفة ، تلك الجامعة التي منحت بتعدد وفرادة تخصصاتها صورة حيّة للأفق الذي نريده في انتظار أن تتوسع مشاريعها بكلية للطب والفلاحة ومعاهد للغات والترجمة والتراث والتاريخ.

إننا ننتظر.

عذراً التعليقات مغلقة