كان لتدوينتنا بصفحة “أخبار سطات” على الفايسبوك مفعول السحر في تهدئة النفوس، وفي منح ساكنة الإقليم معلومة تزن ذهبا في وقت اختلط الحابل بالنابل على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع، بوعي استطعنا أن نخبر مواطني المدينة بأن الحالة المعنية بالأمر فقط في دائرة الشك ووحدها التحاليل المخبرية من ستحسم أمر الإصابة من عدمها، ومع ذلك بقي الترقب سيد الموقف، ورغم جرعة التفاؤل الكبيرة التي كنا نصيغ بها جملنا وعباراتنا فقد كان باديا بأننا أيضا قلقون للغاية.
ليلتها لم نستطع النوم ونحن نركب الأرقام الهاتفية في انتظار الخبر اليقين، لم يكن لنا قدرة على اختراق جدار السرية المضروب على معهد باستور من أجل الوصول لنتيجة التحليلة، لكن فكرنا بأن أول من سيتوصل بالقرار سيكون مصالح عمالة الإقليم ومندوبة الصحة تم ادارة المستشفى الاقليمي.
لذلك فقد تجاوزنا الحدود كثيرا ونحن نتصل بثلاث أسماء لمسؤولين رفيعين حتى الثالثة من صبيحة اليوم التالي بدون ملل أو دعونا نقولها صراحة “بدون استحياء”. ولحسن حظنا أن سمعة جريدة “أخبار سطات” كانت تسبقنا دائما لذلك لقينا تفهما من المسؤولين الثلاثة، وفي كل مرة كانوا يجيبوننا بتفهم لاصرارنا “مازال ما كاين جديد الله يسمعنا خير”.
في حدود الرابعة الا دقائق رن الهاتف، ولم نكن نيام، على الطرف الآخر ” صباح الخير “ياكما نعستي” ضحكة قصيرة تم تنهيدة حارة تختزل أرق ليلة طويلة من الترقب تم أضاف “نزل الفاكس مند دقائق الحمد لله نتيجة التحليلة سلبية” …
سلبية؟ ماذا يعني ذلك هل تأكدت الإصابة؟ قاطعنا المتحدث من الطرف الآخر لا لا بالعكس سلبية يعني الحالة غر مصابة”.
كانت بداية استئناسنا بمصطلحات سترافقنا ليومنا هذا، لذلك تعلمنا ليلتها أنه لأول مرة سنتعود الفرح لكلمة سلبي أو جملة فلان نتيجته سلبية، علمتنا كورونا أن الايجابية ليست بالضرورة مدعاة للفرح فمع فيروس غامض وعدو مجهول احتفلنا طويلا بكل نتيجة سلبية ودرفنا الدموع لكل نتيجة ايجابية.
صغنا الخبر على عجالة، ولم ننتظر ردود الأفعال بل استسلمنا لنوم ثقيل وكأننا نتخلص من حمل لم نكن على استعداد له.
خلال اليوم الموالي، انشغلنا بتتبع مجمل التطورات على الساحة الوطنية، والاجراءات الحكومية المتسارعة، وجدنا أنفسنا ننخرط بحماس في نشر وتعقب مختلف المبادرات والقرارات التي اتخذتها الحكومة، ونتصدى بقوة للاشاعات التي تناسلت ساعتها.
كان أهم قرار اتخذته ادارة الجريدة ومؤسستها الناشرة الاعتماد التام على صفحة الفايسبوك من أجل إيصال الخبر والمعلومة، لفتح المجال لجميع مستعملي الانترنيت للوصول للأخبار التي نضعها لسببين رئيسيين أولهما عدم قدرة عدد كبير من مستعملي الانترنيت للوصول للمواقع الاخبارية بسبب اعتمادهم على “باص نجمة 6” والثاني لسرعة الوصول والتفاعل مع الساكنة خصوصا وأن أخبار سطات الصفحة الأضخم بالاقليم تجاوز عدد منتسبيها ساعتها المائة ألف وبالتالي كنا على ثقة بأن صفحة الجريدة قادرة على الوصول لجميع البيوت بمختلف جماعات الإقليم.
كانت لنا دردشة داخل مقر الجريدة حول المستجدات فطرح زميلي “عبد الحميد كرام” موضوعا غاية في الأهمية، تساءل “عبد الحميد” عن نفسية الشخص الذي تم الشك في اصابته، كيف عاش تلك الساعات القاسية وكيف تفاعلت أسرته وعائلته وجيرانه، كانت فكرة عبقرية من “كرام” أن نشتغل على الموضوع، فقررنا التنفيذ في الحال، وبدأنا رحلة البحث عن منزل أول مشكوك في إصابته بالمغرب والاقليم.
كانت معلوماتنا شحيحة للغاية كل ما توصلنا له هو حي “مجمع الخير” و”تجزئة زركان”، فبدأنا البحث بالمكان، لكن لم نتوصل لنتيجة، وفي لحظة لمحنا أحد أعوان السلطة غير بعيد عن إحدى الأزقة، ففكرنا أنه المكان الصحيح، اقتربنا منه واستفسرناه لكنه لم يعطنا معلومة دقيقة وتدرع بكونه فقط في مهمة لا علاقة لها بالحالة المشكوك في إصابتها، عرفنا بأنها لا يقول الحقيقة، ومع ذلك لم نلح عليه في السؤال، لكننا اقتنعنا بأننا اقتربنا كثيرا من المنزل المنشود، وما هي الا دقائق حتى كنا نقرع جرس المنزل لكن لم يجبنا أحد، تحولنا الى محل لبيع المواد الغدائية بجواره وسألنا عن ساكنيه فأخبرتنا سيدة بأن الزوجة خرجت للسوق مند ساعة تقريبا ولم تعد بعد، منحناها بطاقة زيارة الجريدة والتمسنا منها أن تسلمها للسيدة بعد عودتها وشكرناها تم انصرفنا.
مرت ساعتين تقريبا، رن هاتفي، وعلى الطرف الآخر صوت سيدة أول ما فعلته هو الصراخ في وجهي: “أش بغيتو عندي واش الصحافة ما عندها حرفة الا انا وراجلي شوهتونا مع العائلة ولاو الناس كا يشوفونا كا يبدلو الطريق اش بغيتو عندنا” تم استسلمت لموجة بكاء حارة”.
للحقيقة لم أتفاجأ لردة فعلها وكنت أتوقعها تماما، لأن ما مرت منه هذه السيدة وأسرتها في ظرف ثلاثة أيام صعب للغاية، وكنت بدوري أتتبع بغضب ما يكتب داخل جرائد وطنية تستقي معلوماتها من الفاسبوك دون أن تتحرى الأمر، استجمعت أنفاسي وتحدث معها بهدوء، أخبرتها أنها وعائلتها ضحية جهل للمجتمع كله بهذا الفايروس، قلت لها أن الخوف في مرات كثيرة يدفع الناس لإبداء ردود أفعال غير متوقعة، وأخبرتها أننا في “أخبار سطات” حاولنا الوصول اليها من أجل بث هذه الرسالة التي صرخت بها في وجهي، تحدث معها طويلا كيف كانت سطات كلها متعاطفة معها وترفع الدعوات الصادقة من أجلها ومن أجل زوجها، طلبت منها قراءة تعليقات ابناء سطات على صفحة “أخبار سطات” وستشعر بحجم الدعم والتعاطف، هدأت قليلا واستعادت نبرتها الطبيعية في الحديث، وأخبرتها بأننا سنبلغ رسالتها دون حاجة لتصوير فيديو، شكرتني محرجة واعتذرت عن انفعالها في وجهي لكني أخبرتها بأنها كانت في حاجة لشخص لكي تفرغ صدرها من كل الغضب الذي يعتريه، ونحن في “أخبار سطات” ذلك الصدر الكبير الذي يسع الاقليم كله، ضحكنا معا وودعتها متمنيا لها ولزوجها الراحة والسكينة.
بعد هذه الحادثة، انطلقت شرارة التبليغ عن حالات مشكوك فيها بمختلف جماعات الاقليم، وبدأ الهوس الجماعي بالخوف من الاصابة بالفيروس، خصوصا بعد اعلان تسجيل أول حالة قادمة من ايطاليا، واشتغلت آلة الاشاعة لتعلن في كل مرة بأنه من بين ركاب الطائرة التي قدم على متنها المصاب افراد من الاقليم وفي كل مرة كنا نجري الاتصالات ونفند تلك الاشاعات، كل ذلك وسط أجواء مشحونة زادها ثقلا قرار اغلاق المقاهي والمطاعم ومجموعة من المرافق تمهيدا للاغلاق التام الذي اعلن عن دخوله في 19 مارس، لكن قبلها بيومين كان الاعلان عن تسجيل أول إصابة بإقليم سطات لسيدة تنحدر من مدينة البروج قدمت حديثا من الديار الايطالية.
يتبع
في الحلقة المقبلة
فوبيا الاصابة تجتاح سطات
دخول الحجر الصحي بالاقليم
رابط الحلقة السابقة
ذاكرة أخبار سطات.. صحافيون في قلب الجائحة .. الجزء 1 : قبل العاصفة
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=4239