هشام الأزهري وعبد الحميد كرام
السادسة من مساء الجمعة 20 مارس، كانت نقطة بداية. الحجر المنزلي، عملت السلطات المحلية على الانتشار الواسع بأهم شوارع وأحياء المدينة، وكانت التعليمات أن يتم التعامل مع مخالفي الحجر في البداية بمرونة وأن يغلب التحسيس والمناشدة على الصرامة والشدة في فرض الحجر.
داخل البيوت اصطدمت أغلب الأسر بواقع جديد وغير معتاد، أن يتواجد جميع أفراد الأسرة في نفس الوقت داخل المنزل على مدار ساعات اليوم الا في في استثناءات قليلة، وأن يتم اختيار من سينال ورقة “لمقدم” من بين أفرادها من أجل التكفل بالتسوق، كل ذلك وسط أجواء نفسية صعبة للغاية، فأخبار وإحصائيات كورونا عبر العالم احتلت الحيز الأكبر من مساحة البث في أغلب الفضائيات العربية والدولية، ووسائل التواصل الاجتماعي تحولت الى ساحات “لحلقيات” بمنشطين ورواد كل يغني على “كوروناه” من زاوية النظر التي استوعبتها قدرته على التفكير والتحليل.
وإن كانت جميع الأسر تضررت نفسيا من الحجر الصحي، لكن شهادات استقتها “أخبار سطات” خلال الحملات التحسيسية التي أشرفت عليها السلطات المحلية بمجموعة من الأحياء وبالخصوص الشعبية منها، جعلتنا في الكثير من المرات نحس بالعجز إن لم نقل المرارة. كنا نري نظرات العتاب في أعين العديد من متابعي جريدتنا لذي تغطياتنا الميدانية، بالنسبة لهم كنا منفصلين عن الواقع ونحن نصرخ ونناشد ونستعطف ونلوذ بالساكنة أن تلزم بيوتها خوفا من الإصابة، كنا نلمس تقدير أغلب الساكنة للأدوار التي نقوم بها لكن، وللحقيقة لم نكن منصفين بالنسبة لجرء غير يسير منهم، فكيف لنا أن نغضب لمشاهد رجل يدخن سيجارة أمام بيته وبجانبه ابنه ونحن لا نقدر أنهم يسكنون نصف منزل يتقاسمونه مع أم وبنتين وزوجة ورضيع، وهي حالة اصطدمنا بها بحي ميمونة حيث توجه إلينا الرجل بأعين مغرورقة: ” أ ولدي الله يهديكم را حنا سبعة ديال النفوس فهاد القفز كفاش غا نسدو علينا النهار وما طال” ليستلم الابن الحديث وهو شاب يبدو بأنه لم يكمل ربيعه السادس عشر ” عشيري ماشي كورونا لي غا تخنقني البلان ديال الخوادريات خاصهم يبدلو حوايجهم فالطواليط حيت أنا ناشر رجلي فالمرح نهار وليل هو لي كا يخنق والى خرجت خاصني ما نتلاقاش مالين لوقت والا نولي أنا ضد القانون وتكتبو عليا “فأخبار سطات” كا نهدد الفاميلة بالفيروس”
لم يكن ينقذنا من مثل هذه “الاصطدامات” سوى الهروب الى لغة دغدغة مشاعر وإرادة الحياة وحب العائلة والخوف على مصيرها، لكن داخلنا كان بركان يغلي، والاحساس بالألم يتفاقم، فإذا كانت عائلات تواجه الآثار النفسية للحجر المنزلي ببرنامج خاص وب “نيتفليكس” و”البلايستيشن” وبعضها بالتعرض لأشعة شمس الربيع بحديقة المنزل أو سطح العمارة، فإن جزء مهم من الساكنة وخصوصا بالأحياء الشعبية كان يعاني من إقفال أبواب بيته ويتكدس داخل علب إسمنتية تفتقد شروط التهوية والراحة.
كان الأسبوع الأول من تطبيق الحجر الصحي صعبا للغاية، فعملية توزيع رخص التنقل داخل المدينة تمضي بسرعة كبيرة، وهنا اكتشف الاقليم جيشا من الشباب والمخضرمين (شيوخ ومقدمين)، تحولوا الى “جوكر” في الجبهة الأمامية يقومون بكل شيئ ويتواجدون في كل مكان، وينفذون تعليمات رؤسائهم بمهنية عالية، كان يومهم يعادل أسبوعا كاملا من العمل الاعتيادي لباقي القطاعات، فكانوا مكلفين بتوزيع رخص التنقل مع تغطية جميع منازل الاقليم بكل الأحياء والدواوير، وفي نفس الوقت كانوا يحرصون رفقة القياد ورجال الأمن على مراقبة توفر المارة على الرخصة، والمشاركة في حملات التحسس مساء ومراقبة احترام الحجر ليلا … بصدق كانت الجائحة فرصة مهمة لتتعرف الساكنة على قطاع من جهاز السلطة المحلية كان ينظر إليه بتعال وبدون تقدير، واكتشفنا من خلال الاقتراب أكثر منهم بأن أغلبهم بتكوين محترم ومن بينهم مجازون وحاملو شواهد في التكوين المهني والأهم أن جميعهم يعشقون الوطن ومستعدون للتضحية بأرواحهم من أجله، وهي المشاهد التي عايناها خلال مساعدتهم في نقل المصابين أو المخالطين بالأحياء كما داخل المستشفى.
توالت الإصابات بالاقليم، وازداد معها الضغط علي جنود الصف الأمامي، وتدهورت نفسيات الأسر أكثر، كانت المعلومة الرسمية الوحيدة حول الحالة الوبائية مصدرها طيب الذكر “الأيوبي” خلال نشرة السادسة في حين لم تستطع مصالح الصحة بلورة خطة تواصلية فعالة مع وسائل الاعلام، ودخلنا في أخبار سطات” مرغمين في مواجهة مع المندوبية الاقليمية للصحة بسبب احتجاجنا على عدم تمكين الرأي العام من المعلومة وصلت حد تهديدنا باللجوء للقضاء وهي تفاصيل سنأتي على سرد تفاصيلها لاحقا.
نهاية الأسبوع الأول من الحجر الصحي ستعرف حدثا سلط الأضواء على المستشفى الإقليمي، وحول سطات الي مادة اعلامية دسمة في كبريات الفضائيات العربية والجرائد العالمية، انتشر شريط فيدو صور بالمستشفى يظهر امرأة تبكي وهي تصرخ “بغيت ناكل وراه فيا الجوع…”، وهي تعلق على الفيديو الذي تلتقطه مرددة، هذه هي قاعة العزل بسطات، الزبل منتاشر، أنا اللي نظفتها”. ثم ولإظهار صحة كلامها تقول سوف أطلب الأكل لتروا بأعينكم.
ثم شرعت تقول راه فيا الجوع راه 12 ساعة ماكليت من الثمانية ديال البارح…متتخليو الماكلة تدخل وماكاتجيبو لينا الماكلة….
واستطرت المريضة في استعراض ما ألم بها منذ ولجت ما وصفته ب “قاعة العزل الصحي”. الفيديو تلفقته قناة العربية التي كانت وقتها في أوج تحرشها بالمغرب وبتثه على أنه إهمال لمصابة بكورونا بالمغرب.
في “أخبار سطات” مباشرة بعد انتشار الفيديو انتقلنا للمستشفى الاقليمي، فوجدنا المعنية بالأمر بقسم المستعجلات وهو ما فاجأنا كثيرا لأنه عكس ما ادعت فهي لا ترقد بقسم العزل الصحي، استفسرنا الدكتور خالد رقيب مدير المستشفى فأخبرنا بتفاصيل مثيرة في ملف حاولت جهات داخلية وخارجية أن توجه طعنات لجهود جنود الصف الأمامي من خلاله، صرح لنا الدكتور “رقيب” بأن المعنية بالأمر تقدمت إلى المستشفى بنفسها دون الخضوع إلى المسطرة التي تضعها المندوبية الإقليمية للصحة في حالات المخالطين لشخص مصاب بكورونا، وأنه تم فحصها من طرف الطبيب المداوم بالمستعجلات في الليلة السابقة، وتبين أنها لا تعاني من أي إصابة ووصف لها الطبيب الأدوية الخاصة بحالتها الصحية المتعلقة بالخوف والانزعاج والقلق لكونها خالطت سيدة كانت تتواجد بالمستشفى مشكوك في إصابتها والتي جاءت نتائج تحليلتها المخبرية فيما بعد سلبية.
وأضاف أن المعنية بالأمر في اليوم الموالي عادت إلى المستشفى وأجريت لها الفحوصات بالأشعة والفحوصات البيولوجية، وتبين أنها غير مصابة، وأن القاعة التي كانت تتواجد بها لا علاقة لها بقاعة عزل فيروس كورونا، وأن هذه الأخيرة لها مسار خاص بها تم إحداثه بالاتفاق مع السلطات المحلية، خاصة بعناصر الوقاية المدنية الذين يحضرون الحالات ويسلكون هذا المسار، وهناك تتم إجراء التحاليل وجميع الإجراءات المصاحبة. كانت إجابات الدكتور “رقيب ” مقنعة ومع ذلك استفسرنا مصادر أخرى من المستشفى ومن بينهم أفراد من طاقم مصلحة العزل وجميعهم أكدوا نفس الرواية.
وضعنا الخبر على “أخبار سطات”، ومع ذلك استمر البعض في التشكيك، بداعي أن المصرحين هم خصم وحكم في نفس الوقت، لكن الزميلين “بوشعيب نجار” و”أيوب ضرافات” قاما بمبادرة بددت الشك باليقين، بحيت دخلا قسم المستعجلات وسجلا تصريحا مصورا مع السيدة التي سجلت الفيديو السابق، اعتذرت من خلاله عن ما قامت به مؤكدة بأن الخوف والقلق هو ما دفعها للتصريح السابق وأكدت بأنها غير مصابة ولم تدخل قسم العزل الصحي إطلاقا. هنأنا عاليا زميلينا بوشعب وأيوب على سبقهما الصحفي المهم واستأدناهما في نشر الفيديو على “أخبار سطات” وطبعا وافقا لأجواء الثقة والتعاون المتبادل بيننا، فكان التفاعل من قراء ومتتبعي أخبار سطات والذي فاق 300 ألف مشاهدة، الخبر الجميل أنني في المساء هاتفت صديقي “بوشعيب النجار” وأخبرته بأن الفيديو الذي صوره يعرض حاليا على قناة الجزيرة والتي ردت الصفعة لغريمتها قناة العربية حين نشرت فيديو دون التأكد من مصداقية ما حمله..
في الحلقة المقبلة:
إول حالة شفاء ورحيل مفجع لسي نور الدين
في الحلقات السابقة:
الحلقة الأولى:
ذاكرة أخبار سطات.. صحافيون في قلب الجائحة .. الجزء 1 : قبل العاصفة
الحلقة الثانية:
ذاكرة أخبار سطات : صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الثانية : الحيرة
الحلقة الثالثة:
ذاكرة أخبار سطات: صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الثالثة: الهوس
الحلقة الرابعة:
ذاكرة أخبار سطات: صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الرابعة: هي فوضى ..
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=4298