لم تعد حاضرة الشاوية و عاصمة جهة الشاوية ورديغة، تغري الزوار باختيارها مكانا للعطلة، و أضحت تبدوا كمدينة أشباح بعد أن غادر جل سكانها بحثا عن رطوبة، و عن مكان يحتضن هروبا مؤقتا من جفاف على كل المستويات و الأصعدة.
في السابق كان للمدينة غابتها، وبحيراتها، و طبيعتها الخلابة، وحقول الفواكه و “الزنايك” ترسم سياجا طبيعيا حول حدودها الجغرافية، كانت سطات مرادفا لعطلة ايكولوجية بامتياز، ولسفر يلامس التاريخ الشاوي بعاداته و تقاليده الأصيلة، لكنها اليوم فرطت في كل شيئ، فتم اجتثاث الجزء الأعظم من غابتها، وسطها وضواحيها استسلم للإسمنت ، بحيراتها أهملت وجفت، و تحولت الى مرتع للمنحرفين، و زحف الاسمنت و المباني على حقول و بساتين الضواحي.
مدينة المائة و اربعين ألف نسمة تقريبا، لا تزال تقدم أبناءها قرابين للأودية و الأنهار بفعل غياب فضاءات تستقبلهم.
بحر سي ادريس..
في السابق كان السطاتيون يتداولون بكثير من الفخر كيف أن الراحل ادريس البصري استطاع إلحاق شاطئ سيدي رحال البعيد بأمتار قليلة عن البيضاء الى اقليم سطات، و كيف أقنعت السلطات المحلية شركة النقل الحضري بتخصيص رحلات يومية بخط مباشر الى الشاطئ رغم أن مسافة رحلة لشاطئي عين الدياب أو عين السبع مثلا، أقرب و أيسر من جماعة سيدي رحال الشاطئ، رغم ذلك فقد كان سيدي رحال يشكل متنفسا حقيقيا لفئات واسعة من سكان المدينة خصوصا و أن اثمنة الرحلات كانت رمزية.
رحلة البحث عن مياه باردة..
واد أم الربيع يشكل المحج الأول للباحثين عن قضاء لحظات ممتعة بين مياه باردة تطفئ لهيب قيض لا يقاوم، رغم أن المكان غير معد للسباحة و لا الاصطياف لكنه يستقطب يوميا عشرات الأسر، الكثير يتجاهل خطورة السباحة بالوادي، و حتى انباء الوفيات غرقا التي يتم تداولها يوميا لم تمنع العديدين من اختياره وجهة مفضة.
غير بعيد عن نهر أم الربيع، وعلى مسافة حوالي خمسة و أربعين دقيقة عن سطات، و بطريق صعبة وغير معبدة، تتواجد منطقة تسمى “ضاد” تابعة اداريا للجماعة القروية سيدي محمد بن رحال-إقليم سطات، المكان مشهور باستقطابه موسما سنويا تنظمه الطائفة اليهودية للاحتفال بالهيلولة بضريح “رابي أبراهام أوريو” ، المكان يحتضن شلالات غاية في الروعة، و صخورا تضفي عليه جمالية خلابة، على طول السنة تستقبل المنطقة أفواجا من الزيارات أغلبها من التلاميذ و الطلبة و السياح الأجانب، و يشكل الصيف فرصة أمام أبناء سطات و المناطق المجاورة، لزيارة “ضاد” وقضاء أوقات خاصة بها.
منطقة أخرى أصبحت تستقطب هواة السباحة خلال السنوات الاخيرة، و هي بحيرة سد تامدروست، و رغم أن المكان غير معد اطلاقا للسباحة الا أنه باث يستقطب اعداد متزايدة من المواطنين.
موائل مائية سياحية انقرضت..
انقطع حبل الوصال مع زوار مدينة سطات الإيكولوجيين، نتيجة تهميش بحيرة البطوار التي تحاملت عليها الظروف الطبيعية المتجلية في فيضانات 1996 وعبث المجلس المنتخب، الذي حولها إلى مرتع للمتشردين و مأوى للكلاب الضالة و الدواب، و ملاذا للصوص من أجل اقتسام غنائمهم، ومزبلة عشوائية لمواد البناء، في الوقت التي يحكي التاريخ أن المرحوم العربي باطما وقف بشموخ على منصتها، و غنى رفقة مجموعة ناس الغيوان ازهى و أروع انتاجاتهم الفنية، كما كانت تحتضن البحيرة مسابقات دولية في صيد الأسماك..
بحيرة طبيعية أخرى لحد اليوم مجرد تذكرها من لدن أبناء سطات يتسبب لهم في وجع بالذاكرة و القلب، بحيرة المزامزة، أو “بوابة سطات الطبيعية” كما كان يسميها رجل الشاوية القوي الراحل البصري، كانت تعتبر قبلة للزوار من ربوع التراب الوطني ، ما زالت عملية إصلاحها متعثرة إن لم نقل متوقفة، فمنذ أزيد من عشرين سنة و الأشغال جارية لكن دون نتيجة، حيث بثث القناة الوطنية الثانية في وقت سابق ربورطاجا داخل أخبار الظهيرة آنذاك مفاده أن البحيرة ستكون نموذجية على المستوى الإفريقي و ستكون الأكبر و الأكثر تنوعا من حيث الوحيش (الطيور والحيوانات…) ومتعددة الحضور الصنفي النباتي (الأعشاب، المعشوشبات والأشجار…) وفريدة على المستوى الجمالي و من خلال مكوناتها الاقتصادية من مقاهي و مطاعم وملاهي للأطفال و مسالك للرياضة ومسرح في الهواء الطلق… لكن الحقيقة تقول أنه بعد مرور أزيد من 20 سنة أن لا شيء تحقق على أرض الواقع.
غابة سياحية إيكولوجية و لكن..
غابة المزامزة الاصطناعية، تم احداثها خلال الفترة الإستعمارية كرئة محيطة بمدينة سطات، متشكلة من أصنافها الصنوبرية و الاوكالبتيس، باتت تخضع لضغط المضاربين العقارين الذي يحاولون في كل مرة طمس حدودها، من خلال اجتثاث الأشجار، او رمي مواد البناء داخلها، الشيء الذي قلص من عدد زوار هواة الطبيعة لها، فحتى محاولات المندوبية الوصية لإعادة تهيئتها لم تكن بالجدية الكافية، لتحولها قبلة لساكنة المدينة للتخلص من رتابة العمل و هروبا من ضوضاء المدينة، ألعاب للأطفال متناثرة هنا و هناك تحيط بها أكوام من الازبال و بقايا الزوار نظرا لغياب حاويات النفايات، غياب مسالك لممارسي الرياضة، إضافة إلى طاولات وكراسي أكلتها السوسة الحشرية والبشرية من كل الجوانب، دون أن نغفل الروائح الكريهة ببعض المواقع، فعوض أن يشتم الزوار نسيم الرياح و أريج الأشجار يستنشقون رائحة واد “بوموسى” المختلط بمخلفات الصرف الصحي، والذي يخترق الغابة شاطرا إياها إلى شطرين.
عند النافورات الحل ..
لم تعد مشاهد الاطفال تستحم داخل النافورات وسط المدينة تبعث على دهشة سكان سطات، فالمشهد أصبح مألوفا لدرجة التعايش معه. أمام بلدية سطات أو بمختلف نافورات المدينة ، أو حتى بأماكن سقي المساحات الخضراء، تقتحم أجساد صغيرة متعطشة للمياه الباردة الأمكنة بفرح طفولي، لا يعكره عليهم سوى عصا بعض الحراس. نفس الأمر بالنسبة لبعض “المطفيات” بضواحي المدينة والتي أضحت تقض مضجع الاباء مخافة غرق فلدات أكبادهم.
غرين بارك الملاذ الأخير
بست أحواض سباحة، وفضاء ايكولوجي بديع، يصنع الفضاء السياحي غرين بارك الاستثناء، تواجده وسط المدينة وبإطلالة متميزة عن ما تبقى من أشجار غابة المزامزة، يعتبر هذا الفضاء المتنفس المتبقي للمدينة. لكن هذا الاستثناء الجميل بدوره يخضع لعبث عقليات مستعدة لحرق كل ما هو جميل في سبيل غنيمة سياسية، لا يفهم زوار هذه المنشأة السياحية كيف أن هذا المركب تفرض عليه شبه عزلة عن طريق استثناء محيطه والطرق المؤدية اليه من الانارة العمومية، حيث ما ان تتسلل أولى خيوط الظلام حتى يغرق محيطه في ظلام دامس يجعل الوصول اليه موضع خوف مشروع. كما أن استمرار المشاكل القائمة بين مسيره والمجلس الجماعي لسطات يحول دون تطويره وجعله يلعب دوره كاملا كأحد العلامات البارزة لسطات، فتنطع مدبري الشأن المحلي ورفضهم إيجاد تسوية قانونية مع مسيري المركب تفوت على المدينة الكثير ليطرح السؤال من جديد عن قدرة المجلس الجماعي في التعاطي الايجابي والمسؤول مع قضايا الاستثمار بالمدينة.
على سبيل الختم..
بالكاد تستفيق سطات بتثاقل كل يوم، لتعيد سيناريو اليوم السابق، بالنسبة لمن لم تسعفهم الظروف للهروب الاضطراري من قيضها، و فقر مرافقها الترفيهية و السياحية، فقطع شارع الحسن الثاني ذهابا ومجيئا، أو اتخاد طاولة مقهى بقارعة الطريق عند نزول ستارة الليل، أو الجلوس بحديقة البلدية أو حديقة حي الخير خصوصا بالنسبة للنساء، يبقى الحل الوحيد لمجاراة واقع مدينة لا تحترم متطلبات ساكنتها و احتياجاتهم الأساسية.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=13
عذراً التعليقات مغلقة