هشام الأزهري وعبد الحميد كرام
كانت الأجواء داخل الإقليم خلال الأسبوع الذي سبق قرار الحجر الصحي صعبة للغاية، خصوصا وأن القلق أصبح ملحوظا على سحنات أغلب المواطنين، كان السخط عارما بعد قرار إغلاق المقاهي والمطاعم والحمامات ومحلات الحلاقة، ولأول مرة أحس المواطن بأن حريته أضحت مقيدة، وبأن هناك تمة تغيرات جوهرية في الايقاع اليومي لحياته.
تسيد الحديث عن الفيروس الغامض كل الفضاءات، ونسجت حوله الأساطير، وغدت شبكة الانترنيت النقاشات بنظريات مختلفة من المؤامرة الى الغضب الالهي فالفيروس الكذبة.
لكن التحول الجوهري كان داخل المنازل، أمام شاشات الفضائيات تسمرت الأسر لمتابعة التطورات، وكانت إيطاليا قد بدأت في إحصاء قتلاها المصابين بالفيروس، وهنا تسلل الخوف لنفوس أعتى المشككين، واستشعروا بأن الخطر حقيقة لا تقبل الجدال بل إن الخطر أضحى وشيكا ..
كانت الأسر بالاقليم وهي تتابع تغطية الأحداث بإيطاليا، قلقة للغاية على أقربائها ببلدان الهجرة، وكانت تتابع معهم تطورات الوضع على مدار الساعة، ولسان حال الجميع: ماذا يحصل ؟ أليست هذه إيطاليا المارد الاقتصادي والصناعي والتي تتوفر على واحدة من أفضل المنظومات الصحية بالعالم؟ كيف وصل الوضع بها الى أن يموت مواطنوها بأبواب المستشفيات؟ كيف وصل الوضع بها الى اصابات بالآلاف وموتى بالمئات يوميا، هل معقول أن يعيش هذا الشعب الجميل كل هذه المأساة وتعلن الحكومة عن عجزها أمام هاذا الفيروس القاتل؟ ألى يغسل الإيطاليون أياديهم بالمحلولات الكحولية ويعقمون منازلهم ومقرات عملهم وهم الشعب المتحضر؟
كانت مشاهد إيطاليا والتي تناقلتها القنوات العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي، وسردها مهاجرونا بإيطاليا، عنوان بداية مرحلة الرعب من القادم، فإيطاليا بقوتها ومستشفياتها وأطقمها الطبية رفعت الراية البيضاء واستسلم مسؤولوها في انتظار حلول السماء، فما مصيرنا نحن بإقليم يعجز مستشفاه الرئيسي عن إجراء عمليات الزائدة، ومختبراته عن اجراء تحليلات الدم العادية؟ المقارنة وحدها كانت تدخل ساكنة الإقليم في رعب تحول لهوس جماعي خوفا من الإصابة بالفيروس.
كنا داخل “أخبار سطات” وقتها منشغلين بتتبع عشرات الحالات التي شك أصحابها بإصابتهم وأجرت لهم المصالح الصحية التحليلات المخبرية، كان الهوس بالإصابة في بداية تشكله، لذلك فقد قررنا أن نساهم في زرع الطمأنينة في النفوس، عبر اقتفاء أثر المعلومة الطبية الصحيحة والموثقة ووضعها رهن إشارة القراء وإعلان نتائج التحليلات المخبرية التي أجريت وكانت نتائجها سلبية.
كانت أعيننا على الإقليم ككل، وحدسنا كان يقودنا دائما لانتظار تسجيل إصابات في المناطق التي شهدت عودة مهاجرينا من الخارج، وهو ما كان، اتصال هاتفي من الزميل “رشيد بنكرارة” مدير مكتب اخبار سطات بالبروج، أخبرنا من خلاله بأن هناك حالة مشكوك في إصابتها، كان “رشيد” قلقا للغاية، فالسيدة المشكوك في اصابتها عادت للمغرب مند أسبوع، وزارها العديد من اقربائها وجيرانها، قبل أن تظهر عليها أعراض حادة للمرض.
لم نعلن عن الخبر بالجريدة وقررنا انتظار نتيجة التحليلة المخبرية، وحتى بعد أن كثرت التساؤلات حول هوية الحالة المشكوك في اصابتها تعمدنا عدم الإشارة الى مدينة البروج حتى لا نسهم في خلق أجواء من الفزع هناك، وانتظرنا .. لكن انتظارنا لم يطل وتم إعلان أول حالة إصابة بالإقليم.
تكفل زميلنا “رشيد بنكرارة” بتتبع الملف وأفرجنا عن كافة المعطيات التي جمعها بخصوص الحالة المصابة وهي لسيدة تنحدر من البروج، حلت مند اسبوع بمنطقة البروج قادمة من احدى المدن الإيطالية، وبدت عليها بعد أسبوع من قدومها أعراض فيروس كورونا، ما جعلها تزور الطبيب المحلي بالبروج، قبل إحالتها على المستشفى الإقليمي الحسن الثاني بسطات رفقة إحدى قريباتها، وتبين للطبيب المعالج بقسم المستعجلات أن المريضة تعاني مضاعفات الاشتباه بفيروس كورونا، ما استدعى عزلها وقريبتها بالمستشفى سالف الذكر، وأخذ عينات قصد بعثها لمعهد باستور لإجراء تحليلات، قبل ان تظهر التحليلات المخبرية أنها إيجابية، ما استدعى القيام بالمتعين، بينما تم وضع قريبتها تحت المراقبة الطبية.
كان الخبر صاعقا بالنسبة لساكنة بلدة صغيرة كالبروج، لكن وللتاريخ فقد حول أبناء منطقة بني مسكين الصدمة الى قوة عزيمة وانطلقوا في أضخم حملة تحسيسية بالاقليم، طرقوا أبواب المنازل وناشدوا الأسر أن تحرص على احترام التدابير الاحترازية، ساعدو الجماعة في تعقيم كل شبر من المدينة، وبدون مقدمات أعلن شباب وفعاليات البروج انضمامهم للجبهة الأمامية لمواجهة الوباء.
بسطات، كانت المدينة تستشعر بأن الخطر أضحى أمرا واقعا مع تسجيل أولى الإصابات، وداخل مستشفى الحسن الثاني كانت الحركة غير عادية فبمصلحة العزل الطبي ترقد أول مصابة، وبمصلحة مجاورة ترقد قريبتها في انتظار نتيجة التحليلة المخبرية.
كان باديا قلق الأطر الطبية، لكن في نفس الوقت كانوا يوزعون الابتسامات المطمئنة يمينا وشمالا، منذ تلك اللحظة نسجت علاقة خاصة بين جيشنا الأبيض داخل المستشفى وساكنة الإقليم، كان الجميع يعلم بأنهم يضحون بأنفسهم ويؤدون واجبهم بضمير ومسؤولية، حجم التعاطف معهم فاق كل الحدود، فكانت مبادرة “أخبار سطات” بتوجيه نداء لساكنة المدينة الذين يتوفرون على منازل غير آهلة بأن يضعوها رهن إشارة اطر الصحة من أطباء وممرضين واداريين وتقنيين، فكانت مفاجأة بحجم حب هذا الوطن العظيم، عشرات المواطنين يتصلون بالزميل “عبد الحميد كرام” ويضعون مفاتيح بيوتهم رهن إشارة الأطر الصحية، فتكلف”عبد الحميد” بالتنسيق حول العملية، وكانت أول رسالة أمل في زمن الجائحة.
ساعات قليلة نزل خبر الإغلاق التام، المغرب سيدخل حجرا منزليا الى أجل غير مسمى.. ماذا يعني الحجر الصحي؟ هل سنسجن في بيوتنا؟ من أين سنحصل على الطعام؟ أسئلة وغيرها غيرت مجريات كل الأحداث وأدخلت سطات على غرار باقي مدن المغرب في موجة رعب نفسي جماعي لا يزال العديد من المواطنين يعانون من تبعاته الى اليوم ..
يتبع
في الحلقة المقبلة
الحجر المنزلي.. وأخبار سطات تتخذ القرار الأصعب
في الحلقات السابقة
ذاكرة أخبار سطات.. صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الأولى : قبل العاصفة
ذاكرة أخبار سطات : صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الثانية : الحيرة
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=4270