نيرودا فى ذّكرى رحيله
فى الثالث والعشرين من شهر سبتمبرالفارط مرّت الذكرى الثانية والأربعون لرحيل شاعر شيلي الكبير بابلو نيرودا ،(توفي فى هذا التاريخ من عام 1973) ولقد إحتفلت الأوساط الأدبية فى بلده تشيلي وفى مختلف البلدان الناطقة باللغة الإسبانية بهذه المناسبة وسلّطت الاضواء على إبداعاته وإشراقاته فى عالم الشعر والإبداع حيث يعتبره النقاد من أبرز شعراء القرن العشرين ،وما زالت أعماله الشعرية المتنوّعة تبهر قرّاءه فى مختلف أنحاء العالم.كان بابلو نيرودا يتوفّر على ثلاثة منازل وهي (شاسكونا) و(الجزيرة السّوداء) التي ليست بجزيرة كما أنها ليست سوداء ! و( لاسيباستيانا)، ولقد تحوّلت هذه المنازل إلى متاحف تشرف عليها “مؤسّسة بابلو نيرودا ” التي تمّ تأسيسها عام 1986،وأصبحت تراثاً ثقافياً وطنياً لشيلي،وفى هذه الدّور كتب بابلو أجملَ قصائدة وأعدّ العديدَ من طبعات كتبه ودواوينه .
عشرون قصيدة حبّ
خلّف لنا الشاعر بابلو نيرودا أزيدَ من خمسين كتاباً بلغت صفحلتها عندما جُمعت ضمن أعماله الكاملة ما ينيف على 5000 صفحة،وقد نُشرت حول هذه الأعمال العديد من الدراسات ، والكتب، والرسائل الجامعية فى مختلف أنحاء المعمور،ويعتبر النقاد أحدَ دواوينه وهو ” عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة” أنه أشهر ديوان شعري فى اللغة الإسبانية ، بل إنه أكثر الدواوين إنتشاراً فى تاريخ هذه اللغة ، ففي عام 1960 (دون أن نضع فى إعتبارنا عدد الطبعات السريّة) أقيم حفل كبير بمناسبة بيع النسخة المليون من هذا الديوان الذي بلغت طبعاته فى الوقت الراهن الملايين من النسخ وما زال يعاد طبعه بدون إنقطاع بعد أن تمّ نقله إلى مختلف لغات العالم.
مواضيع متنوّعة
تطرّق نيرودا فى شعره على إمتداد رحلته الإبداعية إلى مختلف المواضيع ،فمن قصائده العاطفية المفعمة بأرقّ الأحاسيس التي تعالج مواضيع لها صلة بالحبّ، والصّبابة، والجوى إلى المواضيع السياسية، والتاريخية ،والإجتماعية ،وقد بلغت هذه الأشعار عنده درجات عليا من البلاغة وجمالية التعبير الشعري الرقيق، ففى القصيدة التاسعة من عشرين قصيدة حبّ نجد تداخلا،وتشابكاً، وتناوشاً وتفجيراً للمجاز الشّعري:
غروب يحطّ على عينيك
يا دمية ،يا صَدفة بريّة
فى نفس هذه القصيدة نلمس قوّة حواس الشاعر، وهي من أهم مصادر إبداعاته وينابيع خلقه ،فإذا به يلبس ” المادة” مسوحاً روحية من شعره وقصائدة:
شاحب ومشدود إلى مائي الملتهب
أعبر حموضة رائحة الطقس العاري
الذي ما زال يرتدي رداءً رمادياً
وأصواتاً أخرى
وبقايا رغاوي حزينة مهجورة
أمشي ثابتاً مُثقلاً بأحاسيسي
مُمتطياً صهوةَ لجّتي الوحيدة
وهكذا تتسابق، وتتلاحق، تتعانق حواس السّمع، والشمّ، والذوق فى آنٍ واحد لتقترب بنا من موصوفات الشاعر،وفى ديوان آخر لنيرودا بعنوان: ” إقامة أرضية” خاصة فى القصائد الثلاث المادية نجد الشاعر يلج، ويخترق المادة النباتية مثلما يتّضح لنا فى المقطوعات التالية:
مسام عروق،ودوائر العذوبة
ثقل حرارة صامتة
سهام ملصقة بروحك المنهدة
موجودات ناعسة فى فمك المكتنز
غبار لشباب عذب مأكول
رماد مملوء بأرواح منطفئة
تعالوا إلى حلمي اللاّمحدود
انزلوا إلى قبّتي حيث يهبط الليل
بدون توقّف مثل الماء المنهمر
فلنوقد النّارَ والصّمتَ والصّوت
ولنضرم ولنسكت النواقيس
وفى ديوانه ” إسبانيا فى القلب” حيث جمع فى هذا الديوان قصائده المكتوبة فى الفترة المتراوحة بين 1935- 1945 تتفجّر العواطف والأحاسيس حول موضوع الحرب الأهلية الإسبانية (1935- 1939). وفي مذكراته ” أعترف أنني أعيش” (1974) التي نُشرت كاملة بعد رحيله وهي إمتداد لما كان قد كتبه نيرودا فى شكل”سيرة ذاتية” عام 1962 بعنوان: “حيوات الشاعر” يتعرّض نيرودا إلى ذكرياته الماضية منذ ولادته عام 1904 ثمّ طفولته، وشبابه وإكتشافه للحبّ والشّعر والعالم الخارجي ،وأخيراً إقامته الدائمة فى منزله” الجزيرة السوداء” بعد سقوط صديقه وخليله ” سلفادور أييندي”.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=428
عذراً التعليقات مغلقة