إن القانون العام هو ذلك الذي يعنى بتنظيم العلاقة بين الأفراد و الدولة حيث تكون هذه الأخيرة صاحبة السيادة..و ينقسم القانون العام إلى داخلي و خارجي..هذا الفرع الأول يضم القانون الدستوري ،المالي و الإداري .
فلما كانت الدساتير مميزة من حيث التدوين و التعديل و ما إلى ذلك، نبادر اليوم في طرح الأسئلة التالية :
1-أكل دولة تتوفر على دستور مكتوب هي بالتالي دولة ديمقراطية ؟
2-وإن كانت كذلك،أ الدستور وحده كاف للإحاطة بجميع الأحكام؟
3-إلى أي مدى يمكن اعتبار الدول ذات الدساتير العرفية ،دولا ديمقراطية؟
لمحاولة الإجابة عن هذه الأسئلة نمر عبر المراحل التالية :
توطئة:تعريف القانون الدستوري،تعريف الدستور
الفقرة الأولى :الدستور المكتوب و ما إليه (المغرب كنموذج)
الفقرة الثانية: الدستور العرفي و ما إليه(بريطانيا كنموذج)
ستنتاجات. إجابة عن الإشكالية .
توطئة:
إن القانون الدستوري هو ذلك الفرع من فروع القانون العام الذي يعنى بتحديد شكل الدولة ، أ هي بسيطة (كالمغرب) أم مركبة (كالولايات المتحدة ) و يبين نظام الحكم فيها (رئاسي أو نيابي أو ملكي أو تيوقراطي..) و يحدد السلطات الثلاثة من حيث مهامها و علاقتها ببعضها البعض و علاقتها بالأفراد (السلطة التشريعية،السلطة التنفيذية،السلطة القضائية)
أما الدستور فهو عبارة عن وثيقة دستورية يصطلح عليها أحيانا بالتشريع الأساسي أي ذلك الذي يأتي بالقواعد الأساسية المنظمة للدولة و بحقوق و واجبات الحكام و المحكومين،و توزيع السلطات العامة و تحديد الحريات ..
الفقرة الاولى: الدستور المكتوب :
هو ذلك الذي تكون أغلب قواعده موضوعة في شكل وثيقة رسمية واحدة من طرف السلطة التي يناط بها وضعها.
و قد ظهرت هذه الفكرة لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن ظلت الأنظمة الدستورية في الدول المختلفة تستمد قواعدها من العرف وحده..
كما أنه من الممكن أن يصدر الدستور في أكثر من وثيقة واحدة،مثال ذلك دستور الدولة الفرنسية أي صدر في ثلاثة وثائق (الجمهورية الثالثة سنة 1875)
– قانون 24 فبراير المتعلق بتنظيم مجلس الشيوخ
-قانون 25فبراير الخاص بتنظيم السلطات العامة
– قانون 16 يوليو المتعلق بعلاقة السلطات العامة فيما بينها
و غالبا ما تكون جميع الدساتير المكتوبة دساتير جامدة ، أي تلك التي لا يجوز تعديل نصوصها وفق نفس إجراءات تعديل القانون بمفهومه الضيق ،بل يشترط لذلك إجراءات خاصة أو استثنائية أو معقدة لا تشترط عادة لتعديل القوانين العادية..أو ينص على عدم جواز تعديل نصوصه مطلقا أو لفترة معينة أو بشروط خاصة و هذه الشروط تختلف من دستور لآخر.
المغرب كمثال:
بالنسبة للنظام المغربي فله دستور مكتوب و قد سار على هذا النهج منذ سنة 1962 و الذي جرى عليه الاستفتاء يوم 7 دجنبر 1962 ،هذا الدستور الذي توالت عليه دساتير أخرى :1971،1972،1992،1996 ثم دستور 2011 الذي ترأس لجنة مراجعته السيد عبد اللطيف المانوني.
و يعد الدستور المغربي من الدساتير الجامدة التي تضع شروطا معينة لتعديله،و هذا ما يتضح جليا من خلال نصوصه (الباب الثلث عشر ،الفصول 172-173-174-175)
و عموما فلرئيس الحكومة و ملك البلاد و لمجلس النواب و لمجلس المستشارين حق اتخاذ المبادرة قصد مراجعة الدستور أو تعديل نص من نصوصه.
تعرض مشاريع و مقترحات مراجعة الدستور ، بمقتضى ظهير على الشعب قصد الاستفتاء عليه ، تكون هذه المراجعة نهائية بعد إقرارها بالاستفتاء .
و تجدر الإشارة لكون الدستور يعتبر أسمى قانون في للبلاد،تليه القوانين التنظيمية التي عادة ما تعرف بأنها تلك القوانين المكملة للدستور،ذلك ان هذا الأخير لا يمكنه الإحاطة بجميع التفاصيل ،و حتى يظل أسمى القوانين أي البعيدة عن التغييرات المستمرة فتتولى هذه القوانين المكملة وضع تفاصيل تلك الأصول و المبادئ العامة.
و نظرا لأهمية هذه الصفة فإن مسطرة وضع هذه القوانين التي تعتبر دستورا مصغرا داخل الدستور مسطرة قد تعتبر معقدة فهذه القوانين يجب:
1- أن تصدر قبل انتهاء الولاية التشريعية الأولى لصدور أمر نفاذ الدستور.
2-يجب أن تعرض وجوبا و بصفة قبلية على أنظار المحكمة الدستورية .
3- لا تسحب مشاريع هذه القوانين إلا بعد مرور 10 أيام من بقائها عند أحد مكتبي مجلسي البرلمان .
4- تعرض بالأسبقية على مجلس النواب ما عدا ما يتعلق بالجماعات الترابية و التنمية الجهوية.
كما أن هذه القوانين قد حددها المشرع على سبيل الحصر.
الفقرة الثانية:الدستور العرفي
إن الدستور العرفي هو مجموع القواعد القانونية و الأعراف الدستورية التي تشكل دستورا لبلاد ليس لها دستور مكتوب.. و الدستور العرفي دستور مكتوب في بعض مواده غير أنه ليس مجمعا في وثيقة واحدة..
و غالبا ما تكون جميع الدساتير العرفية دساتير مرنة ..فهي تحظى بنفس القيمة التي تتميز بها القوانين العادية فلا تسمو عليها، لذلك فهي تعدل وقف نفس الطريقة التي تعدل بها القوانين العادية.
و كمثال للدستور العرفي:دستور إيطاليا لسنة 1948
بريطانيا كنموذج:
يعد الدستور العرفي البريطاني من بين الدساتير العرفية التي ظلت متشبثة بالتقاليد التي تكونت عبر العصور،كما أن المزاج الانجليزي من جهة أخرى أضفى طابعا خاصا على المؤسسات الدستورية لهذه الدولة ..
لقد قطعت بريطانيا أشواطا مهمة في سبيل ترسيخ الديمقراطية ذلك ابتداء من التخلي عن الملكية المطلقة و نشأة نظام نيابي أي تكون ملكية نيابية خاضعة لدستور عرفي.
هذا مع الحفاظ على التقاليد ثم التجربة.
هنا نستحضر مقولة بالفور : “إنه من الأفضل القيام بعمل غبي ظل يحترم باستمرار عوضا عن القيام بعمل ذكي لم يسبق أن قام به أحد”
فعملت بريطانيا على أن توفق بين العنصرين أي المزاج البريطاني و العنصر الديناميكي مما أدى إلى بروز:
ملك يسود ولا يحكم
برلمان يتكون من : مجلس اللوردات : الذي لم تحتفظ به بريطانيا إلا لكونها متمسكة بمؤسساتها التقليدية
مجلس العموم: له اختصاصات سياسية و تشريعية .
ففي المجال السياسي يكون مجلس الحكومة مسؤولا أمام مجلس العموم.
أما في المجال التشريعي ، فإن مجلس العموم هو الذي يصوت على القوانين بدون أن يتمكن الوزراء من معارضته بصفة قاطعة.
استنتاجات :
لعل من أهم عيوب الدستور المكتوب هو أنه في بعض الأحيان يوهم الشعب بأن هناك حريات مضمونة ..و واقع الأمر أحيانا يوحي بخلاف ذلك : إما لعدم احترام تطبيق قوانينه أو لتأويلها تأويلا يتماشى مع مصلحة النخبة الحاكمة أو يقيد النص الدستوري بقانون تنظيمي لم يصدر بعد منذ أول دستور للمملكة و نخص بالذكر قانون الإضراب رغم تأكيد هذا الحق في جميع الوثائق الدستورية التي تعاقبت على المملكة .
أما فيما يخص الدستور العرفي فلا نعلم لحد الساعة أي دستور عرفي مطبق في العالم باستثناء دستور المملكة المتحدة .. و مرد نجاح هذا الاتجاه الدستوري راجع إلى التمسك بالمزاج البريطاني و تشبت الشعب بمؤسساته التقليدية و كذلك التاج البريطاني يحترم اختصاصات المؤسسات الدستورية إلى درجة التقديس ..شيء ما لا نجده إلا في بريطانيا العظمى.
و خلاصة القول ،يمكننا أن نجزم من خلال ما تقدم أن العيب ليس في هذا النهج الدستوري أو ذاك ،بقدر ما هو في الساهرين على احترام تطبيقه كنا حاكمين أو محكومين .
فالحاكم غالبا ما يؤول النص الدستوري لمصلحته بذريعة الحفاظ على المصلحة العليا للبلاد ، و المحكوم غالبا ما يجهل أهمية الحقوق السياسية الممنوحة إليه حيث لا يعيرون أهمية إلى المصلحة العامة ، و عند العوام فإن العلاقة الموجودة بين المصلحة الشخصية و العامة لا تكتسي أهمية كبرى .
إنهم هنا يغفلون عن ما لهذا الجهاز الذي يسمى الدولة من تأثير على حقوقهم الشخصية و على حياتهم العامة
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=585
عذراً التعليقات مغلقة