في وقت كانت فيه الرياح الشتوية لمطلع فبراير 2020 تلفح باستحياء أرض الشاوية, وتتلاعب بغنج بملامح إقليم تحول وجهه لتجاعيد رسمتها قسوة الانسان والزمان.
كان كل شيئ يبدو عاديا, أو هكذا خيل لأبناء سطات, فلا التهميش ولا الإهمال ولا الخصاص ولا العوز يستحق توصيف ” العادي” في زمن شعارات التنمية بالانسان اولا، لكن هي كلمة مثل أخرى تؤثت قاموسنا اللغوي دون أن يكون لها معنى، ولم يكن للزمن بالشاوية ساعتها اعتبار، فالكثيرون رأوا فيه ابنا غير شرعي لروتين أرسى عقارب الساعة التنموية بمختلف المجالات على ضفاف سنون القرن الماضي.
كانت هي بداية إطلالة ضيف جديد على طاولة النقاشات بالبيوت والمقاهي والمدارس والفضاءات العامة ووسائل التواصل الاجتماعي, كان في البداية ضيفا خفيف الظل نسجت حوله الطرائف والنكث وتبارى ” النقايمية” في توصيفه وتحويله لمادة دسمة للسخرية,
شيئا فشيئ تحولت قنوات العالم وكبريات الجرائد العالمية لتتبع منطقة قصية من الكرة الأرضية اسمها “ووهان” بدأت علامات الدهشة تتسلل للملامح مع مشاهد الاغلاق التام ونزول الجيش الصيني لفرض الحجر الصحي بحزم وقسوة في العديد من المرات, لكن هذه المشاهد السوريالية وقتها لم يكن ينظر لها في سطات والمغرب او بقية العالم إلا كمشهد معاد من سلسلة شهيرة صورت تسلل فيروس قاتل لجميع دول للعالم ومع ذلك ظل كورونا بعيدا عن كونه مصدر قلق في نفوس أغلب المواطنين.
كان لدخول الفيروس لإيطاليا والتحول الجدري لخطابات جميع القيادات السياسية بمختلف دول المعمور واكتسائها طابع الجدية والقلق إن لم نقل الخوف، الأثر العميق في بداية تشكل موجة قلق واسعة داخل مختلف مناطق الاقليم, خصوصا وأن هناك ارتباطا وثيقا بين جل العائلات ” الشاوية” ودولة ايطاليا بحكم العدد الهائل من أفراد الجالية المغربية بايطاليا المنحدرة من اقليم سطات, إد ليس في الامر مبالغة ان تحدثنا على انه لا توجد عائلة بالاقليم ليس من بينها فرد أو أكثر بديار الهجرة بايطاليا.
كنا داخل ” أخبار سطات” ساعتها منتشون بالنجاحات التي حققتها الجريدة في أقل من سنتين على اطلاقها, ونستعد للخطوة الثانية من مشروع التطوير من خلال تجهيز مقر الجريدة بل وكنا على استعداد لتطعيم هيئة التحرير بشابين وقع عليهما اختيارنا للعمل ضمن فريقنا, كانت لذينا خطط وأفكار ننوي تطبيقها للرفع من موارد الجريدة وحماية استقلاليتها المادية, لكن في رمشة عين تحولنا من عاملين ومسيرين لمقاولة اعلامية هي مورد رزقنا الوحيد الى مشتغلين بشكل تطوعي ومجاني ان لم نقل نضالي، نلف شوارع واحياء المدينة للتحسيس ونترصد امام مصلحة العزل الطبي لاقتناص المعلومة حول الاصابات الجديدة, بدون اي موارد وتلك حكاية أخرى سنسردها في وقت لاحق من هذه الحلقات.
رويدا رويدا أصبحت دائرة الخطر تضيق وأضحت مسألة تسجيل اصابات في المغرب مسألة وقت فقط, وكان حدسنا يقول بأن الاقليم مهدد بتسجيل اولى الاصابات بسبب عودة / هروب عدد كبير من ابناء الجالية المنحدرين من الاقليم من الديار الاوربية بسب استفحال الوضعية الوبائية هناك.
خلال الاسبوع الأخير من شهر فبراير كان الحدث الذي سيغير كل شيئ في تعاطينا كصحافيين محليين مع الفيروس الغامض.
الساعة الثانية بعد الزوال سيارة اسعاف تابعة للوقاية المدنية تخترق شوارع المدينة بسرعة فائقة في اتجاه المدخل الشمالي للمدينة، تسبقها دراجة نارية تابعة للدرك, لأول مرة سيشاهد سكان سطات عناصر الوقاية المدنية يلبسون زيا أبيض ويضعون أقنعة الوجه, وهو مشهد كان يزرع الرعب في النفوس وقتها,
سارعت العديد من الجرائد لاعلان اكتشاف اول اصابة في المغرب بمدينة سطات لمواطن قدم حديثا من الديار الايطالية, ولأن ايقاع العمل الصحفي لما قبل كورونا كان يتحدد بالسبق وسرعة نشر الخبر فقد طبع التسرع تغطية اغلب المنابر للحدث.
كنا في أخبار سطات ملتزمين صباحا بالتصوير خارج مدينة سطات وفي فترة ما بعد الزوال استسلمت لنوم ثقيل استفقت معه على أكثر من 50 مكالمة نصفها من الزميل ورفيق الدرب عبد الحميد كرام حاولت الاتصال به فيما بعد لكن وجدت رقمه خارج التغطية، انتابني شعور بالقلق دخلت لصفحة أخبار سطات على الفايسبوك فصعقت لخبر قصير صاغه زميلي كرام على عجل وبالمئات من التعاليق.
كان الخبر باقتضاب شديد ” عاجل نقل اول حالة من سطات مشتبه في اصابتها بكورونا الى البيضاء”
تواصلت مع زميلي عبد الحميد كرام فأخبرني بتفاصيل عن اصعب ساعتين عاشها بعد أن تركته وحيدا واستسلمت لنومي..
اخبرني عبد الحميد بأن هاتف الجريدة لم يتوقف عن الرنين واستقبل عشرات المكالمات تستفسر عن هوية الشخص او مكان تواجده, طبعا عبد الحميد يشتغل بمهنية عالية لم يفصح عن اية معلومة رغم أنه جمع ما كفي من المعطيات، لكنه أخبرني بأمر مكالمة مثيرة تلقاها وربما أغرب مكالمة استقبلها في حياته.
على الطرف الآخر من الهاتف: ” السلام وعليكم عافاكم هاداك الخبر يتحيد “اخبار سطات” معروفة برزانتها ومهنيتها وعندها أكبر عدد من المتابعين فالاقليم ما محتاجينش لترويع الناس فهاد الوقت الدقيق لي عايشاه بلادنا”
الذين يعرفون عبدالحميد كرام يعلمون بأنه ليس من النوع الذي يتقبل التعامل معه بصرامة او بلغة الأوامر حتى اننا في أخبار سطات اصطدمنا حول امور مماثلة, لكن خلال المكالمة لم يترك له المتحدث وقتا لكي يحتج او يتساءل بالكاد استفسره عن هويته فكان الجواب بصرامة أكبر : ” ماشي ضروري تعرف شكون ها رقمنا عندك وغا تفهم شكون حنا المهم اننا كا نتيقو فمهنيتكم ورزانتكم واليوم را عندكم مسؤولية كبيرة تأديو رسالتكم الاعلامية بمهنية ”
وانقطع الخط..
لكن بالكاد انطلق خط التفكير بالنسبة لعبد الحميد..
جلسنا داخل مقهى المستشفى نحاول استيعاب الامر لكن قررنا ان نتجاوزه ونركز على المستجد..
اول حالة مشكوك في اصابتها بالمغرب من مدينة سطات !!
وياله من مستجد..!!
حاولنا استفسار ادارة مستشفى الحسن الثاني، المندوبية الاقليمية للصحة، السلطات المحلية، لكن نفس الجواب ” ليس لذينا اية معطيات حول الأمر”. كان الجواب بمثابة صفعة في بداية المشوار مفادها بأن طريق المعلومة لن يكون يسيرا وانه تمة شعرة رفيعة بين الاشاعة والمعلومة الصحيحة.
اهتدينا لاستغلال شبكة علاقاتنا واتصلنا بمدير ديوان وزير الصحة والذي شرح لنا بالتفصيل الوضع فكانت أهم تدوينة في بداية الجائحة :
هدوء من فضلكم..
لم يتم تسجيل اية اصابة بالاقليم والحالة التي تم نقلها للبيضاء خضعت للبروطوكول الطبي بسبب الشك في بعض الاعراض
تدوينة لاقت تفاعلا واسعا وتم تقاسمها بالمئات ويمكن اعتبارها طلقة البداية في تغطية أخبار سطات لأخبار الوباء بالاقليم..
في الحلقة المقبلة ..
اخبار سطات في منزل المشكوك في اصابته والزوجة توبخ أخبار سطات
تفاصيل الاعلان رسميا على أول حالة في المغرب وفي الإقليم
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=4206
العموشيمنذ 4 سنوات
شكرا لاخبار سطات دائما في قلب الحدث صورة وكلمة هادفة واخبارا تتحرى الدقة دمتم خيرا لخير الاقليم