تمثال الحصان بمدينة سطات فكرة إدريس البصري للدلالة على شهامة أبناء الشاوية‎

هيئة التحرير
غير مصنف
هيئة التحرير8 أغسطس 2016آخر تحديث : الإثنين 8 أغسطس 2016 - 1:53 صباحًا
تمثال الحصان بمدينة سطات فكرة إدريس البصري للدلالة على شهامة أبناء الشاوية‎

لماذا مدينة سطات من دون غيرها امتلكت تمثال الحصان؟

إن من بين اهم القضايا التي طلب وزير الداخلية الأسبق، “إدريس البصري” رحمه الله استشارة فيها من “ميشيل روسي” الفقيه والخبير القانوني الفرنسي، الذي عرف بقربه من دوائر القرار في المملكة المغربية، طيلة العقود التي حكم فيها الملك الراحل الحسن الثاني، والذي كان أحد المقربين من وزير الداخلية الأسبق، الراحل “إدريس البصري”، وأحد الذين أشرفوا على وضع دساتير المملكة المغربية، منذ بداية الستينيات من القرن الماضي، إلى جانب الفرنسي “جورج فوديل”، هي قضية إقامة نصب، أو تمثال لحصان في مدخل مدينة سطات، مسقط رأسه، ذلك أن الحصان رمز لمنطقة الشاوية التي عرفت على مر التاريخ بتربية الخيول، فقد كان “إدريس البصري” يريد تمثالا لحصان في مدخل سطات، وكان يتخوف من أن تكون هناك مبررات دينية تحول دون إقامة ذلك النصب لكن “ميشيل روسي” رد عليه بأنه ليس مؤهلا لتقديم إجابة شافية حول هذا الموضوع، إلا أنه في الوقت نفسه ـ وربما لإزالة مخاوف البصري ـ ذكره بأن هناك نصبا لأسد الأطلس في وسط مدينة إفران موضوعا في مكانه منذ وقت طويل، وأن ذلك كاف لطرد توهماته.

الدلالة التاريخية للخيول عند العرب

تحكي كتب التاريخ، أن الخيل كانت وحشية وغير مستأنسة حيث كانت تعرف بإسم ابو الخطى السريعة، وأول من اعتنى بها نبي الله “إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام”، إذ روضها وكان أول من ركبها، كما أن التماثيل المصرية القديمة، وبخاصة التمثال الذي يرجع تاريخه إلى الفترة ما بين الأعوام 2000 و1300 (ق م) التي أظهرت خيولا عليها علامات الصفات العربية، وفي هذا يقول الجاحظ «لم تكن أمة قط، أشد عجباً بالخيل، ولا أعلم بها، من العرب»، ولطالما اعتبروها أهم أسباب قوتهم وسيادتهم، كما يذكر التاريخ أن حكيم العرب “أكثم بن صيفي” أوصى قومه بها فقال «عليكم بالخيل فأكرموها فإنها حصون العرب»، وحتى في التراث الإسلامي، هناك من الأحاديث النبوية الشريفة، ما عظم مكانة الخيل وحث على اقتنائها، والرسول عليه الصلاة والسلام أوصى بتعليم الصغار ركوب الخيل، ويروى عنه قوله «الخيل معقود في نواصيها الخير»، و«من كان له فرس عربي فأكرمه أكرمه الله وإن أهانه أهانه الله»  فالخيول وحدها التي شابهت الإنسان العربي – قديما- وصفا بالأصالة ليشابهها فروسية، ووحدها شابهته حظوة بحفظ سلالاتها وتدوينها ليخصها بعلم «أنساب الخيل»، ووحدها كانت الملهم الأكثر إبهاراً لتزخر ثقافته بنتاج أدبي – لعل الشعر أهمه- جعل من الحصان العربي إحدى عيونه التي يفاخر بها

وهناك من الأبيات الأكثر ترددا على لسان العرب، تلك التي يصف فيها عنترة بن شداد علاقته بفرسه «الأدهم»، وقد لا يختلف محبان للشعر على أن روعتها تكمن في وصف عنترة مشاعر الفرس حتى يخيل لك أنه يتحدث عن إنسان آخر يشاركه جنون الحرب وآلامها:

يدعون عنتر والرماح كأنها… أشطان بئر في لبان الأدهم

مازلت أرميهم بثغرة نحره… ولبانه حتى تسربل بالدم

فازور من وقع القنا بلبانه… وشكا إلي بعبرة وتحمحم

لو كان يدري ما المحاورة اشتكى… ولكان لو علم الكلام مكلمي.

ما هي العلاقة بين تمثال الحصان ومدينة سطات؟

سيسأل سائل، ما الذي يدفع أحدهم لكتابة مقال، عن تمثال الحصان بمدينة سطات، في مدينة تضج فيها صيحات الأنين بالحنين، لا العكس، فلعلها ( سطات) هي من سئمت تناول اخبارها وحالها، بالتحليلات والتوقعات والدعوات والأماني، وسئمت الخمول والجمود وتعطل العجلة الفكرية لسكانها، والخراب والدمار الذي شمل مختلف معالمها التاريخية، وهي من ينتظر لحظة انجاب شخص يشبه “إدريس البصري” لترتاح من لعناتنا اللعينة لها، لكن الجواب حاضر في ذاته، هو أن رمز الحصان الذي نصب بالمدينة، لم يأتي من فراغ، ولكن ليذكرنا دائما ما إن نسينا أو تناسينا، انه تمثال نصب على برج عالي وسط المدينة، ليس ليبهر ناظريه بجماله وطريقة نحته، ولكن ليزرع في نفوس ابناء مدينة سطات هيبة الشجعان والفرسان، إنه سر من أسرار قوة مدينة سطات ورجالاتها عبر التاريخ التي فقدنا جماله، وضيعنا بملئ إرادتنا جوهره، حتى باتت مدينة سطات تدور في إطار ما سبق من احتمالات، فما يعبر عنه ذاك الحصان من سمات هو كفيل بأن يدفعنا للإرتقاء بها (سطات) إلى مصاف الرقي والجمال الباذخ الذي تعيشه مختلف المدن المغربية، فمدينة سطات تبقى سر عسير على الفهم.

عذراً التعليقات مغلقة