ذاكرة أخبار سطات: صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة السابعة: سقوط أول شهيد بالاقليم ..

هيئة التحرير
هنا سطات
هيئة التحرير30 مارس 2021آخر تحديث : الثلاثاء 30 مارس 2021 - 8:52 مساءً
ذاكرة أخبار سطات: صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة السابعة: سقوط أول شهيد بالاقليم ..

هشام الأزهري وعبد الحميد كرام

بعد الأسبوع الأول من فترة الحجر المنزلي، بدأ المواطنون يعتادون على الإجراءات المتشددة، وأضحت ورقة التنقل الاستثنائية جواز المرور بأهم شرايين المدينة، كان واضحا بأن الحركة خلال فترة النهار تختلف كليا على ما هو عليه بعد السادسة مساء، لكن في المجمل أكثر من ثلتي العائلات بسطات احترمت بشكل حرفي تدابير الحجر الصحي، وفي الفترة المسائية فقط استثناءات قليلة ببعض الأحياء خرقت هذه التدابير.

الخميس 2  أبريل 2020، كان باديا أنه يوم آخر من أيام العذاب النفسي، وترقب ما يحدث بالمستشفى الاقليمي، وانتظار نتائج التحليلات المخبرية التي تجرى على مشتبه بإصابتهم، كنا داخل “أخبار سطات” نضع اللمسات الأخيرة على مبادرة أعلنا عنها بخصوص التطوع لتصوير الدروس عن بعد بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، لكن مكالمة هاتفية استقبلناها صباحا، غيرت كل شيء وأدخلتنا في دائرة من التيه والضياع، كنا نحصي عدد الذين يتلقون العلاج بمصلحة العزل بالمستشفى ونسأل عن أحوالهم وتجاوبهم مع العلاج، ونلعب في مرات كثيرة دور الوسيط مع أسرهم ونبلغهم تطور حالتهم الصحية، يومها كانت ترقد بمصلحة العزل أربعة حالات، موظف وزوجته، حالة من بن احمد ومفوض قضائي من سطات، وفي مصلحة مجاورة يتواجد العديد من الأشخاص المشكوك في إصابتهم، أجروا التحليلة المخبرية وينتظرون نتائجها.

“مشا سي نور الدين”، كانت هي أولي الكلمات التي سمعتها من مخاطبي عبر الهاتف، كفاش مشا ؟ “واش نقلتوه لكازا” أجبت مخاطبي بهدوء لأني كنت أعلم بأن الحالات التي يتطور وضعها بالإمكان نقلها للبيضاء، لكن مخاطبي بالطرف الآخر من الهاتف لم يمهلني كثيرا وفجر في وجهي الخبر الصاعق: سي نور الدين توفى الله يرحمو” .. لبث لحظات لكي أستوعب الخبر، فسي نور الدين المفوض القضائي بالمحكمة الابتدائية بسطات كان أكثر من صديق للمدينة بأكملها ويتمتع بعطف خاص وتقدير من قبل الجميع، سي نور الدين كان رحمه الله رياضيا محبوبا لا يجد حرجا في ممارسة هوايته في الكرة مع الأصدقاء واولاد الدرب والزملاء في العمل، وكان خدوما بشهادة الجميع، منذ الاعلان عن إصابته كنا نتلقى في الجريدة مكالمات كثيرة من أصدقائه وزملائه يستفسرون عن تطور وضعه الصحي، وكان الجميع علي ثقة بأن سي نور الدين قوي العزيمة والإرادة وسيتجاوز المحنة.  

كانت أول حالة وفاة بفيروس كورونا بإقليم سطات، سيطر علينا في أخبار سطات حزن عميق، وللحقيقة لم نعلم ماذا نفعل، هل نعلن الخبر أم ننتظر، وفي النهاية قررنا أن لا نكتب شيئا في انتظار إعلان رسمي من مندوبية الصحة أو من العائلة.

قضينا النصف الأول من اليوم أنا و”كرام” هائمين في شوارع سطات، الصدمة تسيطر علينا ولم نتبادل سوى كلمات قليلة وكأننا نخفي أمرا محبوسا داخل صدرينا وكل واحد منا يواريه عن الآخر، وبين الحين والآخر نتوصل بمكالمة تستفسر عن صحة الخبر.

بدا بأننا على حافة الانهيار نفسيا لذلك قررنا أن نعود لمنازلنا، على أن نلتقي في المساء، بدون كلمات وداع معتادة مصحوبة بقفشات ألفناها معا أنا و “حميد”، ثوجه كل منا لأطفاله وكأننا نحاول أن نهرب من قساوة هذا الواقع لعالم بريء ترسمه بناتنا الثلاث بعفوية.

وجدت طفلتاي في الانتظار فاتحتان أدرعها الصغيرة، تجاهلتهما ودخلت مسرعا  للحمام من أجل عملية التعقيم الشاملة التي تحولت الى أمر اعتيادي كلما غادرت المنزل وعدت اليه، استسلمت لرشاش الماء البارد، أغمضت عيني فتخيلت أطفال الشهيد نور الدين وتذكرت أنهم سيحرمون حتى من إلقاء النظرة الأخيرة عليه وسيوضع جثمانه داخل صندوق ويحمله أعوان يدفنونه دون مراسيم ودون حضور العائلة، واستسلمت لنوبة بكاء هستيرية وكأني بها كانت محبوسة داخل صدري منذ لحظة سماع الخبر، لم استعد رباطة جأشي الى بسماع طرقات علي باب الحمام لابنتي ياسمين تطلب مني الخروج سريعا لأرقص معها “KIZAMBA” البرازيلية،

يااااا الله ويااااا لعالمك طفلتي، براءة بلا حدود وكأني بك وبأقرانك معزولون ومحميون من كل الألم الذي يحيط بنا من كل جانب…

بعد أن أخبرت زوجتي بالأمر والتي لاحظت بأني شبه منهار منذ عودتي للمنزل، أقنعت الطفلتين أنها في حاجة لمساعدتهما في المطبخ، فتركاني وحيدا وصورة سي نور الدين وعائلته لا تفارق ذهني، توصلت برسالة قصيرة من “عبد الحميد” عليها رابط لصفحة بالفايسبوك، فتحته فوجدت ابنة الشهيد نور الدين ترثي والدها وتطلب الدعاء له، وكان ذلك بمثابة إعلان رسمي عن الوفاة، فوضعنا الخبر بصفحة “أخبار سطات” وتتبعنا تعاليق كانت تمزق الفؤاد لحجم التأثر والألم الذي كانت تحمله، وكانت أيضا تعاليق لأفراد من عائلته، وشعرنا لحظتها بأن سطات كلها في حداد وهي تودع شهيدها سي نور الدين، وكان السؤال هل ستكون نهاية الأحزان، أم سنفجع من جديد في إخوة وأصدقاء وأفراد عائلة لنا في حربنا ضد الفيروس.

كانت الفكرة الأخيرة بمثابة منبه أيقظني من التيه الذي كنت أشعر به، فاتصلت ب “عبد الحميد” واتفقنا على العودة للعمل والتركيز أكثر على التحسيس بضرورة احترام التدابير والاجراءات الاحترازية، حتى ولو جلنا سطات شبرا شبرا، وفي الطريق للقاء كانت مكالمة من الصديق الاستاذ عبد الكريم التيال، والذي عرفت فيما بعد أنه صديق مقرب من الشهيد نور الدين رحمه الله، كان “التيال” وهو المعروف برباطة جأشه شبه منهار وهو يعدد مناقب الفقيد لكنه ختم مكالمته بقولة مهمة : على سطات أن تنتفض في وجه عدم احترام التدابير الاحترازية والا سنودع كل يوم قريب أو صديق” وافقته الرأي والتحقت “بعبد الحميد” قرب مدارة الحصان.

وهناك قررنا أن ننتقل الى تقنية البث المباشر اليومي داخل أحياء وأزقة وشوارع المدينة وأن يكون البث مصحوبا برسائل التحسيس ومناشدة الأهالي بالصبر والتمسك أكثر بعدم مغادرة المنازل.

قررنا أيضا أن نأخذ مسارا مغايرا للمسار الذي تأخذه السلطات المحلية يوميا في عملية التحسيس، لذلك لاحظ قراء ومتتبعي “أخبار سطات” بأننا ناذرا ما كنا نتواجد بالحملات التي تنظمها المقاطعات الحضرية الستة بالمدينة، وكنا نختار أماكن لم تصلها هذه الحملات من أجل البث المباشر عبر صفحتنا بالفايسبوك، وفي نفس الوقت ننشر فيديوهات وصور لهذه الحملات لاحقا لأننا اعتبرنا الأمر فيه إشارة لمشاعر العرفان والتقدير الذي تكنه ساكنة المدينة للجهود المبذولة.

كنا نراهن داخل “أخبار سطات” على تغطية جميع تفاصل الحياة اليومية في ظل الجائحة، وفي نفس الوقت نعلم بأنه لا الامكانيات البشرية ولا المادية تسعفنا للقيام بكل ذلك، لذلك فكان الخبر الذي أسعدنا كثيرا تطوع “سفيان لوطيي” واحد من ألمع وأكفئ شباب المدينة لمساعدتنا والعمل الميداني معنا ولنقولها بصراحة للتضحية معنا في أشد الأماكن عرضة للإصابة بالفيروس، فكان “سفيان قيمة مضافة في فريق عملنا لتغطية الجائجة الى جانبنا أنا وحميد ورشيد من البروج.

في الحلقة المقبلة:

أخبار سطات تختار مخاطبة الساكنة مباشرة 

في الحلقات السابقة:

الحلقة الأولى:

ذاكرة أخبار سطات.. صحافيون في قلب الجائحة .. الجزء 1 : قبل العاصفة

الحلقة الثانية:

ذاكرة أخبار سطات : صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الثانية : الحيرة

الحلقة الثالثة:

ذاكرة أخبار سطات: صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الثالثة: الهوس

الحلقة الرابعة:

ذاكرة أخبار سطات: صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الرابعة: هي فوضى ..

الحلقة الخامسة:

ذاكرة أخبار سطات: صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة الخامسة: أسبوع أول “حجر” ..

الحلقة السادسة:

ذاكرة أخبار سطات: صحافيون في قلب الجائحة .. الحلقة السادسة: قصف البلاغات والقرارات ..

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.