المنحدرة من مدينة سطات والتي لها ستة أبناء وثمانية أحفاد، أن تنحت اسمها بالصبر والجلد والمثابرة والفن أيضا رغم أنها كانت تعيش عيشة الكفاف والعفاف بحي شعبي اسمه “قطع الشيخ” بسطات بمعية زوجها وأبنائها، ولم يسبق لها أن ولجت المدرسة، فكرت وقررت السفر إلى عاصمة الأنوار لعل وعسى أن تفتح لها أبواب »الرزق« وتنقذ أبناءها وزوجها الذين تركتهم وراءها بسطات من العوز والحاجة. وبالفعل تأتى لها ذلك عن طريق الهجرة السرية.
في هذا العالم الجديد، وجدت »”طاطا ميلودة”« نفسها وجها لوجه أمام تعب الحياة وأمام غول حقيقي، خاصة وأنها عاجزة عن التواصل مع عالمها الجديد.
رغم كل الاحباطات التي كانت تراها تطوق عنقها، استطاعت أن تتحدى كل الحواجز.. فقدعملت في المقاهي والمطاعم وكمشغلة في البيوت ومساعدة للعجائز ومربية للرضع وما إلى ذلك من المهن التي تستطيع من خلالها جلب قوت يومها وقوت أبنائها التي تركتهم بالمغرب.
هذا الواقع المرير لم يثنها عن تحقيق أمنيتها الدفينة التي حلمت بها عقودا من الزمن فأصرت على محاربة أميتها بعاصمة الأنوار. وهناك اكتشفت مدرستُها أن لها مواهب فنية، فصقلتها،حيث اتخذت من محطات حياتها وماعاشته من »”درديف« ” مادة دسمة للإبداع. وبدأت تتدرج في هذا العالم الجديد، من خلال تقديم عروض مسرحية وفنية لدى الجمعيات الفرنسية هناك. وكانت فعلا تجربة جديدة بالنسبة للمتلقي الفرنسي، لكن نقطة التحول الأساسية في حياتها والتي جعلت الإعلام الفرنسي وغيره يحتفي بها وكذلك الفنانين والمثقفين والمسؤولين يعترفون لها بموهبتها ويكرمونها في أكثر من مناسبة، ذاك اللقاء الذي جمعها لأول مرة بالفنان المغربي جمال الدبوز، وكاد منعها في البداية من طرف أحد رجال الأمن، أن يغلق باب الشهرة في وجهها، لولا أن فطنت إلى الأمر وخاطبته ب “»ابني” الذي رق« لحالها وأدخلها إلى المسرح لتجد نفسها وجها لوجه مع جمال الدبوز.
في الاسبوع المقبل من هذا اللقاء، …كتبت ميلودة شقيق مارأته في العرض الذي قدمه الدبوز وعادت لتلتقيه، هذا اللقاء حفزها على العطاء الفني أكثر لتنفتح أمامها الأبواب وتنطلق مفجرة ما بداخها، وهو العطاء الفني الذي كان منبعثا من الذات، لخصت فيه تجربتها الحياتية وقدمتها للجمهورالفرنسي بتلقائية، وهو ما أهلها لتكون خبرا دسما لكبريات الجرائد الفرنسية، وهو الأمر الذي دفع وزير الثقافة الفرنسي فريديريك ميتران إلى تنظيم استقبال خاص لها وتكريمها ما مرة.
الغريب في هذه الحكاية أن “»طاطا ميلودة”،« وبعد أن حجزتها مشغلتها العجوز أيضا لأسباب تجهلها إلى الآن قامت ابنة هذه العجوز الغنية بإطلاق سراحها لتنطلق من جديد إلى عالم الفن والشهرة. ولأن »الزمان دوار«، دار فلكه، وكُتب “»لطاطا ميلودة”« أن تقدم عرضها الفني في أحد الفضاءات التي كانت محتجزة فيها من طرف العجوز الغنية. ومن المؤكد أن هذه العجوز اتكأت على عكازها أو كرسيها المتحرك لتتابع فقرات “»طاطا ميلودة«” الفنانة العصامية التي جذبت أنظار الفرنسيين، وهذا ليس بغريب على ابنة الشاوية والتي .. في واقع الأمر، ليست سوى ابنة عم المرحوم العربي” باطما كما تقول “طاطا ميلودة”،لأنها ابنة بلدته.
هذه الشهرة الكبيرة التي تتمتع بها ميلودة شقيق في أوربا،
جعل الأمم المتحدة تفتح لها أبوابها بمعية مغربيات أخريات ويلتقين هناك بمسؤولين كبار، وتقديمهن كنموذج ناجح للكفاح والاندماج أيضا، ما جعل العديد من المؤسسات في الغرب، تنتج شريطا وثائقيا حول “طاطا ميلودة” ورفيقاتها، وتقدمه كمادة مرجعية في الانفتاح والاندماج الموفق. اختارت لها اسم “قصص إنسانية”، إلا أن الملاحظ أن البلد الأم، لم يلتفت لحد الساعة، الى هذه المرآة الاستثنائية، التي استرعت انتباه العالم كله، دون أن يحرك مسؤولو بلدها وأعلامه وإعلامه الرسمي ومنظماته المتعددة أي ساكن.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=1098
عذراً التعليقات مغلقة