تحولات جذرية طرأت على الصورة الرمضانية في الشاوية. لبست مناطقه ثوب التمدن وخلعت عنها التقاليد إلا في ما نذر. طقوس متنوعة وشعائر دينية إما تلاشت أو في طريقها إلى التلاشي بعدما أصبح حضورها لا يعدو كونه مستوحيا من الجذور مع ما طرأ عليه من طبيعة العصر ومتطلباته. سلوكيات انقلبت رأسا على عقب. أجواء جديدة طغت على طبيعة الحياة الرمضانية ويومياتها فتأقلم معها الشاويون عامة و السطاتيون خاصة إلى درجة أن رمضان تحول إلى شهر للترفيه وتمضية الوقت بعيدا عن كل ما يفترض أن يطبع هذه الأيام ليس فقط في ما يتعلّق بالشعائر الدينية وإنما طاول العلاقات العائلية والاجتماعية و الطقوس الغدائية.
الصوم في رمضان من طلوع الفجر وحتى مغيب الشمس، وقد فرض في السنة الثانية للهجرة، ويمتنع فيه المسلمون عن الطعام والشراب ومعاشرة النساء (الصيام بكل الجوارح)، ويكثرون من تلاوة القرآن الكريم، والتعبد، والدعاء وطلب المغفرة من الله، في حين تنقلب الساعة البيولوجية رأسا على عقب، ليصبح الليل نهارا،والنهار ليلا عند الكثيرين...فماهي أهم التحولات في عادات وتقاليد الشاوية التي رصتدتها عينأخبار سطات.
تحولات في افتتاح الليالي الرمضانية
يقول أحد المواطنين ل “أخبار سطات” أن العادات الشاوية القديمة كانت لها سمات وخصائص تعود بجذورها الى العادات والتقاليد العربية والاسلامية، ولكنه اعتبر أن رمضان في هذه الأيام فقد وهجه ورونقه اللذين كان يتسم بهما في القدم. حيث تغيرت مجموعة من المظاهر الرمضانية القديمة و حتى على مستوى مأكولات مائدة الإفطار. و يكمل أن الأسواق قبيل شهر رمضان كانت لا تهدأ، ويقول: «كانت تزدهر وتنتعش ابتداء من نصف شهر شعبان وتزداد ازدهارا قبيل أيام قليلة من رمضان المبارك، ولكن إضافة إلى الأسواق العادية الموجودة طوال أشهر السنة في سطات كأسواق اللحوم والأسماك والخضار، كان لأسواق الحلويات والمشروبات الرمضانية دور في اكتمال الطقوس الرمضانية الغذائية مثل سوق الخبز بأنواعه (المسمن، البغرير…)، وكانت هذه الأسواق تشكل محطة يومية للقاء الأصدقاء خلال النهار وهم يتسوقون لهذا الشهر الفضيل».
انقطاع في صلة الرحم..
قديما لم نكن نمتلك تلك التكنولوجيا التي تجعلنا نرسل رسالة قصيرة لنهنئ الأقارب والأصدقاء بحلول شهر رمضان، وهذا ما جعلنا حاليا نستغني عن الزيارات، التي كانت لها نكهة خاصة، خصوصا أنها كانت تجمع العديد من الأهل والأصدقاء في منزل واحد، و تساعد على صلة الرحم.
كما كان الجيران قديما يتبادلون قبيل و طيلة أيام رمضان ما يطهون، وكانت تسمى “الضوغة” فالأطباق تظل تدور بين منازل الحي و الاقارب طوال الشهر الكريم وحتى في العيد.
قارع الطبل أو النفار..
قديما كان أحد الأفراد (با شرقاوي)، براح المدينة معروف بمزماره (النفار) التي تتردد في بداية كل رمضان و هو يجوب الشوارع أو يقصد مركز المدينة معلنا بداية استقبال هذا الشهر المبارك، بينما و قد تطورت التكنولوجيا أصبح صوت المدفع و صفارة الإنذار التي ينتظرها المواطنون قصد الإعلان عن دخول الشهر الكريم.
كما أن هناك عادات قديمة اندثرت لوجود بدائل حديثة، ومنها “أبو طبيلة” (قارع الطبل أو المسحراتي)، وهو من يجوب الأحياء وينادي لإيقاظ الناس لتناول السحور قبل بدء الصيام يوميا.
بينما ظهرمدفع رمضان الذي تعود الناس على الإنصات ليوقظ الناس للسحور او لإعلان الفطور. و يكتسي المدفع حاليا اهمية لأنه يبشر بتمام صيام اليوم، حيث ورد في الحديث للصائم فرحتان فرحة إذا أفطر وفرحة يوم لقاء ربه أو كما ورد، ولا احد يعلم با الضبط متى بدا ذلك التقليد أي استخدام المدفع للبدء في الإفطار.
لكن على الرغم من وسائل الإيقاظ التي جاد بها العصر فإن ذلك لم ينل من مكانة تلك الشخصية (قارع الطبل أو النفار ) ولم يستطيع أن يبعدها عن بؤرة الحدث الرمضاني حيث لا زالت حاضرة في ذاكرة و بعض المدن العتيقة، حيث يطوف بين البيوت قارعا طبلته وقت السحور ، مما يضفي على هذا الوقت طعما مميزا ومحببا لدى النفوس ..
سهرات فنية بدل السهرات الدينية..
كما أن السهرات الفنية المنتشرة في هذه الايام في شهر رمضان بالمقاهي هي تحولات اعتمدها بعض الشاويون ولا تليق بهذا الشهر بعدما كانوا لغاية الستينات من القرن الماضي يسهرون على وقع المدائح الدينية التي كانت تنشدها الفرق الدينية التي تحضر إلى الزوايا الشاوية خصيصا في هذا الشهر.
ولأن من خصائص رمضان اجتماع العائلة فكانت لهذه الميزة في ذكريات الشاويين حصة ما يزال كبار السن يتذكرونها بحنين، ويقول أحد المواطنين عن هذه العادات «إنها كانت خير لقاء تجمع العائلة الكبيرة والصغيرة، إذ كانت العائلات تحرص على تبادل الزيارات وإحياء السهرات الجماعية يوميا من دون أن يغفلوا الشعائر الدينية التي باتت اليوم مقتصرة على فئات محددة بعدما أهملها الآخرون، ولا سيما اقامة صلاة التراويح في المساجد بعد صلاة المغرب، لاقامة الصلاة والاذكار والاستماع الى الأحاديث التي كان يلقيها “الشيخ” على الحاضرين. ولا تنتهي طقوس السهرات الرمضانية هنا، إذ تمتد السهرات إلى موعد السحور وصلاة الفجر ليعود بعدها الجميع الى بيوتهم بعد أن ينهوا شعائرهم الدينية.
الحريرة سيدة أطباق الشاوية..
وفي ما يتعلّق بالطقوس الغذائية والمأكولات الرمضانية يشير مواطن آخر إلى استمرار سيادة عروس الشاوية بامتياز المتجلية في الحريرة في مجابهة التحولات على مائدة الإفطار بينما البغرير و المسمن.. التي كانت تنهمك الشاويات في صنعها من اليوم الأول لشهر الصيام، أما اليوم فأصبحت متوافرة بشكل دائم، ولم يعد الناس يبذلون جهدا لصنعها في المنازل. الأمر نفسه ينسحب على المعمول الذي لم يكن يكتمل العيد من دونه، إذ كانت تمضي السيدات الشاويات ليالي طويلة لصنعها، بينما عوضت الآلات النساء في صنع هذه المخبزات (الفطائر) و باتت النساء لا يبدلن جهدا لصنعها، بل يشتروها مباشرة من السوق. يمكن القول أن هذه العادة في طريقها إلى التلاشي نظرا إلى فقدان المعمول و القيم الرمضانية وأصبحت المأكولات الرمضانية متوفرة أينما كان وفي أي وقت، أما الأهم فهو أن معظم الشاويات أرحن أنفسهن واستغنين عن صناعة المخبزات في البيت وما يرافق صناعتهما من إرهاق وتعب وفضلن إحضاره جاهز، باستثناء قلة قليلة من كبيرات السن اللواتي يحرصن على القيام بهذه المهمة بأنفسهن.
المقاهي و الفضائيات تعوض الموعضة الدينية..
فقد استبدل الناس حاليا طقوس الليالي الرمضانية التي كانت تقام مع مناسبة حلول شهر رمضان بطقوس مطالعة شاشات التلفزيون والفضائيات، بل وقصص الحب والغرام، إضافة إلى مناقشة الأوضاع السياسية في المقاهي التي تمتلئ بطريقة شادة.
بينما كان قديما أطفال الحي من الذكور كانوا يرتدون ملابس جديدة، والفتيات يرتدين الأثواب الملونة، ويحملون أكياسا ويدورون على المنازل مرددين بعض الأغاني الخاصة للحصول على الحلوى من الجيران. ويستمر الاحتفال حتى ساعة متأخرة من الليل والأهالي مجتمعون في المنازل ينتظرون قدوم مجموعات الأطفال عليهم مجموعة تلو الأخرى ، وعندما يسمع أهل المنزل صوت غناء الأطفال من بعيد يتأهبون لاستقبالهم بتزويدهم ببعض الحلويات أو قسط من المال. ويستاء أهل المنزل إذا أهملته مجموعات الأطفال في هذه الليلة ولم يقوموا بزيارته وأخذ نصيبهم. وقد يحدث ذلك إذا كان المنزل بعيدا عن باقي البيوت أو أن ما يقدمونه للأطفال من حلاوي لا يرضي أذواقهم .
بينما الكبار من الذكور يتجمعون عن أحد أكبر الشيوخ بالحي للإستفادة من الدروس الدينية المتعلقة برمضان. في حين يجتمعن النساء ليتناقشن ويسهرن وترجع بهن الذكريات إلى الماضي ،إلى الطفولة ثم الشباب ثم تحمل المسؤولية لانهن بنات حي واحد مشتركات في كل شيء.
روبرطاج منشور باتفاق مع جريدة الشاوي الأسبوعي المالك الأصلي لحقوق النشر
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=16
عذراً التعليقات مغلقة