حتى أن أساتذة اضطروا، من أجل التخفيف من وطأة هذا الازدحام على نفسية تلامذتهم، إلى دعوتهم إلى “التزاحم لأن فيه رحمة”، فيما وصف خبير تربوي هذا الاكتظاظ بأنه “غير مسبوق”.
وتفيد معطيات حصلت عليها جريدة هسبريس بأن الاكتظاظ وصل، في بعض الأقسام الدراسية، إلى حد 50 و60 تلميذا؛ وهو ما أحدث بعض الارتباك والجَلَبة وسط المؤسسات التعليمية التي شهدت هذا الاكتظاظ الشديد. واستعان معلمون وإداريون، في بعض المؤسسات، بكراس وطاولات وُضعت في تماس مع السبورة والباب.
وقال مخلص عبد الوافي، أستاذ التعليم الابتدائي بإحدى المدارس العمومية بمنطقة بوقنادل، في تصريح لهسبريس، إنه تفاجأ بالعدد الكبير للتلاميذ في قسمه صباح اليوم، مضيفا أن وعودا تلقاها من لدن إدارة المؤسسة تفيد بأنه سيتم إفراغ فصله من عدد من التلاميذ لتشكيل قسم إضافي.
وتابع رجل التعليم ذاته بأنه يعرف زملاء له في المهنة ما إن ووجهوا بمشكلة الاكتظاظ الكبير داخل أقسامهم الدراسية، حتى طفقوا يلطفون الأجواء داخل الفصل، بدعوة التلاميذ الذين اشتكوا من الازدحام الشديد إلى التحلي بالصبر إلى حين، وإلى التزاحم فيما بينهم، بالقول “تزاحموا تراحموا”.
أسباب الاكتظاظ
الخبير التربوي محمد الصدوقي سجّل، في هذا الصدد، “تنامي نسبة اكتظاظ التلاميذ في الأقسام التعليمية بالأسلاك المدرسية الثلاثة خلال السنوات القليلة الماضية”، موردا أنه في الدخول المدرسي الحالي عرف الاكتظاظ أرقاما قياسية وصلت في بعض المؤسسات إلى أكثر من 50 و60 تلميذا، بل أحيانا 72 تلميذا.
وعزا الصدوقي، في تصريحات لهسبريس، هذا الاكتظاظ الشديد للتلاميذ داخل القسم الواحد إلى عدة أسباب؛ أهمها، حسبه، تزايد الطلب على التعليم وتصاعد عدد التلاميذ ونسبة النجاح دون أن تواكب ذلك الوزارة بإحداث بنيات الاستقبال الكافية وتوفير الموارد البشرية الكافية، خاصة المدرسين.
وأفاد الخبير التربوي بأن قطاع التعليم يعاني هذه السنة من خصاص كبير؛ فبالإضافة إلى الخصاص المتراكم في السنوات السابقة، غادر هذه السنة حوالي 15 ألف مدرس بالتقاعد النسبي، خوفا من إجراءات إصلاح أنظمة التقاعد المجحفة، وحوالي 12 ألف بالتقاعد العادي، فيما لا توظف الوزارة سوى حوالي 8000 مدرس جديد.
وأكمل الصدوقي شارحا بأنه لترقيع الخصاص وتوفير المدرسين، “تلجأ الإدارة إلى الرفع من نسبة الاكتظاظ في القسم”، مردفا أنه “بالرغم من مبادرة الإصلاح الجديد لتجويد المدرسة والرفع من فعاليتها ومردوديتها، فإن الوزارة لا توفر الغلاف المالي الكافي والحقيقي للتوظيف والاستثمار والتجهيز”.
وتوقف المتحدث عند مفارقة وصفها بالغريبة، حيث إن الوزارة الوصية تلزم المدارس الخصوصية في دفتر التحملات بألا يتعدى عدد التلاميذ في القسم 34 كأحد أقصى، حسب مساحة القسم في الابتدائي والثانوي، بينما في المدارس العمومية لا يوجد قانون أو مذكرة ملزمة بحد أقصى لعدد التلاميذ في القسم.
وذكر الصدوقي بأن آخر مذكرة للوزير في السنة المنصرمة دعت إلى اعتماد 40 تلميذا كحد أدنى وتجنب الأقسام المخففة، لاغيا المذكرة رقم 60 الصادرة سنة 2008 التي كانت تلزم العدد 40 كحد أقصى و45 في حالة الاستثناء”، معتبرا ذلك بأنه تمييز رسمي واضح بين شروط الجودة بين الخصوصي والعمومي”.
تداعيات الاكتظاظ
وحول التداعيات والتأثيرات السلبية الممكنة لمعضلة الاكتظاظ الشديد في الأقسام الدراسية هذا العام خصوصا، أكد الصدوقي أن “اللجوء إلى الاكتظاظ والأقسام متعددة المستويات يفضي إلى تداعيات خطيرة على جودة التعليم وتعلمات التلاميذ،ومردودية وفعالية المدرسين”.
ويشرح المتحدث بالقول إن جل التربويين يحددون 20 تلميذا كحد أقصى لضمان جودة التعلمات بتطبيق البيداغوجيات الحديثة التي تتمركز حول المتعلم كبيداغوجيا والبيداغوجيا الفارقية، والعمل في المجموعات وغيرها، حيث المتابعة الفردية للمتعلم وسهولة التحكم في فضاء وجماعة القسم.
ومن التداعيات السلبية الأخرى، يضيف الصدوقي، صعوبة ضبط القسم وتنامي بعض الظواهر السلبية؛ كالشغب والعنف والتشويش والشعور بالتهميش”، متابعا بأن “رغبة الإدارة التربوية في توفير مدرسين من أطرها تضرب في العمق الحق في التعلم، وجودته، والنجاح لدى المتعلمين، وترهق المدرسين بعدم توفير شروط العمل الصحية والمناسبة”.
وانتقد الصدوقي “لجوء الإدارة إلى حلول لا تربوية، من قبيل الاكتظاظ وتفريخ الأقسام المشتركة وإلغاء تدريس بعض المواد والتفويج أو التقليص من الحصص الزمنية لبعض المواد، أو تكليف مدرسين بتدريس مواد ليست من تخصصهم ولم يتلقوا تكوينا فيها، وغيرها من الحلول اللا تربوية”، وفق تعبيره.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=1710
عذراً التعليقات مغلقة