طالب باحث في ماستر تدبير و افتحاص ادارات الدولة و الجماعات الترابية
شهد العالم منذ نهاية العقد الثامن للقرن الماضي عدة متغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية، انبنت أساسا على إستراتيجية خاصة بإعادة ترتيب الخريطة العالمية من جديد، سمتها العزم على إنهاء سياسة الأقطاب والمعسكرات والدول القطرية، في مقابل الاتجاه نحو تعزيز المقاربات الترابية والتركيز على الفضاءات المحلية .
وهناك اقتناع بأن المستوى المحلي هو الحيز الذي يجب أن تطرح في إطاره المسائل الحقيقية للنمو، هذا المنحنى تثيره كذلك الصعوبة المتزايدة التي تكتنف التسيير المركزي للسياسات الاقتصادية في ظروف وطنية تتميز بالندرة النسبية للموارد العامة، وبمحيط دولي أصبح فيه تمويل التنمية أكثر انتقالية وأقل إرادوية .
لقد أصبحت السياسة الجهوية في مختلف بلدان العالم من الاستراتيجيات الرئيسية للنهوض بالتنمية الاقتصادية، وللإقلاع السوسيو اقتصادي بصفة عامة، ذلك أن عقلية النخب الحاكمة آمنت واقتنعت أن التنمية الشاملة لا يمكن تحقيقها إلا بالمرور عبر التنمية الجهوية، إذ أن التنمية بصفة عامة لا بد لإنجاحها من مجال ترابي واسع ومتكامل، كفيل بإدماج كل العوامل التنموية في مسلسل الإقلاع الاقتصادي الجهوي .
فهذه المعطيات جاءت في الوقت الذي تبنت فيها كل الدول المتقدمة فكرة الجهة كإطار مرجعي اقتصادي مهم. وفي هذا الصدد تبنت ألمانيا فكرة الجهة.
وقد عرف المغرب فكرة الجهات- حيث كان التقسيم الإداري يقوم على أساس قبلي نتيجة كبر مساحة المغرب، كما كان يقوم على اعتبارات عسكرية…….
فالتنظيم الجهوي في المغرب، عرف تطورا على مر الزمان، لكنه كان يتميز بمركزية للسلطات في العاصمة، وعدم التركيز على الصعيد الجهوي، كما كان التنظيم المحكم للجيش يعتبر أساس التنظيم الجهوي.
وبعد توقيع معاهدة فاس سنة 1912، عمل المستعمر على طمس روح التنظيم المحلي والجهوي الذي عرفه المغرب قبل هذه السنة بغية بسط نفوذه وإحكام القبضة على المغاربة. واستمر في عمليته العسكرية، ولم يستتب له الأمن إلا سنة 1935، وهذا ما حدا بفرنسا إلى تقسيم المغرب إلى جهات مدنية وأخرى عسكرية. وقد عرف المغرب عدة تقسيمات جهوية سنوات 1913، 1919، 1920، 1923، 1926، 1935، 1940 .
غداة الاستقلال، وجد المغرب أمام تركة استعمارية جسيمة ليس فحسب على صعيد الفوارق الجهوية بل شملت كافة الأصعدة الاقتصادية، السياسية والاجتماعية، حيث أهمل التقسيم الجهوي الاستعماري ليأخذ الإطار الإقليمي محله كوسيلة تمكن من فرض سلطة الدولة الفتية سياسيا وإداريا بحيث اعتبر الإقليم أهم التقسيمات الإدارية للدولة. فالبرغم من كافة المشاكل التي خلفها الاستعمار المزدوج الفرنسي والإسباني، فإن الدولة أولت اهتماما خاصا بالأقاليم والمناطق الواقعة خارج محور الدار البيضاء- القنيطرة محاولة بذلك محاربة فكرة المغرب غير النافع والمغرب غير النافع باعتبارها فكرة استعمارية تميز بين أقطاب البلد الواحد.
ولم يظهر الاهتمام بالمجال الجهوي والجهة إلا بعد استفحال خطورة الفوارق والتفاوتات الجهوية وعجز الإطار الإقليمي عن مواجهتها نظرا لأنه محدود لا يلائم الهدف المرجو منه في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والقضاء على الاختلالات واللاتوازنات التي يعرفها مختلف جهات المملكة .
إن الحديث عن تجربة واعية مرسومة، ومتكاملة للتنمية الجهوية، ومحاربة الفوارق الاقتصادية بين الجهات والأقاليم التي تتكون منها المملكة، لم يبدأ إلا بعد سنة 1971، أي بعد صدور الظهير المتعلق بإحدات الجهات الاقتصادية ، والواضع لفلسفة ومدلول التنمية الجهوية، والمؤسسات الوطنية والجهوية المنوط بها تحقيق هذه التنمية.
وأمام الإحساس بخطورة هذه الوضعية جاء الخطاب الملكي بتاريخ 24 أكتوبر 1984 أثناء ترأس جلالة الملك الحسن الثاني لاجتماع المجلس الاستشاري الجهوي للمنطقة الوسطى الشمالية، وذلك بتأكيده على ضرورة إقامة هياكل جهوية ذات اختصاصات تشريعية ومالية وإدارية، ومحاولة نقلها من إطارها اللاتمركزي إلى معطى جديد يغلب عليه الطابع اللامركزي .
وقد ترجم هذا التوجه ضمن مخطط مسار التنمية 1988-1992 حيث أكد الملك الراحل الحسن الثاني في رسالة وجهت إلى الوزير الأول في موضوع التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد على الإطار العام للعمل التنموي، حيث يكون فيه التخطيط على مستوى الجهة باعتبارها الخلية التي تناسب المغرب وما يشمل عليه من تنوع واختلاف سواء على مستوى الجغرافي أو الديمغرافي.
وقد روعيت في هذا المخطط مجموعة من المبادئ الأساسية للتنمية الجهوية من بينها :
— مواصلة وتعزيز الجهوية وتركيزها على قاعدة واسعة من التشاور والمشاركة من أجل تحقيق تنمية متوازنة ؛
— تعزيز التخطيط الجهوي على ثلاثة مستويات: الجماعة، الإقليم، والجهة؛
— اعتماد المخططات الجهوية على الأغلفة المالية القطاعية لميزانية الدولة المخصصة للجهات، وعلى برنامج تجهيز الأقاليم والجماعات، وتهيئ الظروف لكي تحدث وبصفة تدريجية مؤسسات وهياكل جهوية ؛
— القضاء على الاختلال الجهوي وتنمية العالم القروي؛
— إنعاش أقطاب التنمية وذلك بتشجيع قيام المشاريع الصناعية خارج محور الدار البيضاء – القنيطرة؛
— مشاركة القطاع الخاص في مجهود التنمية الجهوية؛
اللامركزية وعدم التركيز، وذلك بإعادة النظر في اختصاصات وتكوين المجالس الجهوية الاستشارية، ومنح الجهة سلطات تنفيذية فعالة تمكنها من القيام بمهامها على الوجه المطلوب.
لقد عمل التعديل الدستوري لسنة 1992 على ترقية الجهة إلى مستوى جماعة ترابية بجانب العمالات والأقاليم والجماعات الحضرية والقروية. إن الارتقاء بالجهة إلى مستوى جماعة ترابية يشكل حلقة أساسية في التطور الإداري المغربي بوجه عام، لما له من انعكاسات على مستوى التنمية في إطار فضاءات ومتناغمة. وفي هذا الصدد، فإن الجهة ستعمل على إعادة توزيع لسلطة القرار بين المستويين المركزي والمحلي . وهذا التوزيع من شأنه أن يرفع الأنقاض عن المستويات العليا للإدارة والتي يمكن أن يكون عملها أكثر فعالية، ويعمل على تسهيل تناسق العملية الإدارية، واجتناب التضارب في معالجة القضايا المحلية الأساسية ذات الطابع التدخلي .
وفي هذا السياق صدر القانون المتعلق بتنظيم الجهات لسنة 1997 ، ومما جاء في « بيان أسباب » نزول هذا القانون :
« إن مغرب اليوم، بعد أن تراكمت لدية التجارب والنتائج الأولى للديمقراطية واللامركزية، قد بلغ مستوى من النضج يؤهله لولوج مرحلة جدية لترسيخ الديمقراطية المحلية التي ستوظفها الجهوية لخدمة الازدهار الاقتصادي والاجتماعي. وهكذا فإن الجهة تبدع هيئة جديدة ستمكن ممثلي السكان من التداول في إطارها، بكيفية ديمقراطية، من خلال منتخبيهم في الجماعات المحلية والهيئات الاجتماعية المهنية، في شأن مطامح ومشاريع جهاتهم وبالتالي إعطاء الانطلاقة لديناميكية متميزة للمنافسة والتنمية الجهوية المندمجة…».
—الجهوية السياسية، تتبوأ في ظلها الجهة مرتبة سامية داخل التنظيم الدولتي، فهي تتقاسم مع السلطة المركزية جملة من الوظائف السياسية خاصة في الميدان التشريعي والتنظيمي، والتي تحددها الوثيقة الدستورية، والجهوية السياسية هي أعلى مستوى من مستويات اللامركزية الترابية دون الوصول إلى مستوى الدولة الفيدرالية، التي تتوفر فيها الجهة على سيادتها التامة مع احترام القوانين الاتحادية ؛
أما من الناحية الاقتصادية، فمدلول الجهوية في الدول المتقدمة يحيل على إعادة التوازن للنمو الاقتصادي الجهوي بعد أن تم تحقيق شروط التنمية الاقتصادية الكلية، أما معنى الجهوية في الدول النامية فيرتبط بتقليص الفوارق الجهوية وتصحيح الاختلالات المجالية ؛
والجهوية من منظور سوسيولوجي، تعد اختيار تدبيري حداثي للمجتمعات المتحضرة، أملته ظاهرة تنامي تقسيم العمل الاجتماعي والتخصيص الوظيفي، وتطور مفاهيم الديمقراطية ومبادئ تكافؤ الفرص الاجتماعية ثم تبلور المفاهيم المرتبطة بالتنظيم العقلاني للمجتمع ، أما الجهوية المتنفذة في المجتمعات التقليدية فهي تقوم على عقلية قبلية وعشائرية وإثنية مكرسة للاختلاف المجتمعي.
أما الدستور فيعد القانون الأساسي للدولة، وهو قانون تخضع لمقتضياته على حد سواء السلطات التشريعية، التنفيذية، والقضائية، وعليه فأحكام القانون الإداري والسلطات الإدارية ملزمة باحترام مقتضياته .
إن دراسة الجهوية المتقدمة بين مقتضيات الدستور المغربي الجديد وآفاق الوضع الجديد تشكل فرصة مهمة للوقوف على كيفية تطرق الدستور المغربي الجديد للجهوية المتقدمة وآية آفاق يمكننا استشرافها لهذه الجهوية.
وتبعا لذلك فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو كيف تطرق الدستور المغربي الجديد للجهوية المتقدمة وآية آفاق يمكننا استشرافها لهذه الجهوية ؟ وتتفرع عن هذه الإشكالية أسئلة فرعية :
كيف ارتقى الدستور المغربي الجديد بالجهوية المتقدمة ؛
ماهي الاختصاصات المخولة للاتركيز الإداري كلازمة للجهوية المتقدمة ؛
آية آفاق يمكننا استشرافها للجهوية المتقدمة .
ومما سبق فقد تقرر تناول موضوع الجهوية المتقدمة بين مقتضيات الدستور المغربي الجديد وآفاق الوضع الجديد :
الجهوية المتقدمة على ضوء مقتضيات الدستور المغربي الجديد ؛
آفاق الجهوية المتقدمة.
المبحث الأول
الجهوية المتقدمة على ضوء مقتضيات الدستور المغربي الجديد
إن ورش الجهوية المتقدمة يتطلع إلى بلورة الإرادة الملكية السامية الرامية إلى تمكين المغرب من جهوية متقدمة، ديمقراطية الجوهر مكرسة للتنمية المستدامة والمندمجة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا، تكون مدخلا لإصلاح عميق لهياكل الدولة من خلال السير الحثيث المتدرج على درب اللامركزية واللاتمركز الفعليين النافذين، والديمقراطية المعمقة، والتحديث الاجتماعي والسياسي والإداري للبلاد والحكامة الجيدة .
ولهذه الأسباب فقد جاء الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 لتكريس ورش الجهوية المتقدمة من خلال التنصيص على مقتضيات متقدمة في هذا المجال.
تبعا لذلك فقد قررنا تناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : الارتقاء بالجهوية ( المطلب الأول)، تعزيز اللاتركيز الإداري ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : الارتقاء بالجهوية
طبقا لمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من الدستور المغربي لسنة 2011 : « التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة ».
كما نصت الفقرة الثانية من الفصل 143 من نفس الدستور على : « تتبوأ الجهة، تحت إشراف رئيس مجلسها، مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية ».
إن كل هذه المقتضيات الدستورية جاءت من أجل ترسيخ الجهوية المتقدمة ببلادنا كخيار لا غنى في تحقيق تنمية شاملة ومتوازنة.
إضافة إلى ذلك فالجهوية المتقدمة ستمكن بلادنا من إشراك المواطنين في تسيير شؤونهم وذلك عن طريق انتخاب ممثليهم في المجالس الجهوية بصفة مباشرة عن طريق تبني نمط الاقتراع العام المباشر ، والذي من شأنه تعزيز الديمقراطية المحلية والحكامة الترابية ببلادنا.
إلى جانب الارتقاء بالجهوية، فقد عمل الدستور المغربي لسنة 2011 على تعزيز اللاتركيز الإداري كلازمة للامركزية من خلال توسيع اختصاصات ممثلي السلطة المركزية على المستوى الترابي
المطلب الثاني : تعزيز اللاتركيز الإداري
استنادا إلى الفصل 145 من الدستور المغربي لسنة 2011 : « يمثل ولاة الجهات وعمال العمالات والأقاليم، السلطة المركزية في الجماعات الترابية.
يمثل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية.
يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.
يقوم الولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها. ».
هذا الفصل شكل قفزة نوعية في مجال تعاطي المشرع المغربي مع سياسة اللاتركيز الإداري حيث عزز من صلاحيات ممثلي السلطة المركزية كما خول وضعا متقدما لمصالح الإدارة المركزية على المستوى المحلي حيث تم تمت تسمية هذه المصالح ب « المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية » عوض « المصالح الخارجية » من أجل تخويل هذه المصالح اختصاصات واسعة في مجال تسيير شؤون المواطنين.
بعد استعراض هذه المعطيات الهامة عن كيفية تطرق الدستور المغربي لسنة 2011 للجهوية المتقدمة حيث ارتقت بهذا الورش الحيوي الهادف إلى إعادة تجديد هياكل الدولة المغربية على المستوى الترابي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو آية آفاق يمكننا استشرافها لمسار الجهوية المتقدمة ببلادنا ؟
المبحث الثاني
آفاق الجهوية المتقدمة
لا مندوحة أن الجهوية المتقدمة قد شكلت أساس التنظيم الترابي للمملكة، وذلك من خلال منح الجهات مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية. وكذا تعزيز اللاتركيز الإداري عن طريق توسيع اختصاصات ممثلي السلطة المركزية على الصعيد الترابي.
كل هذه المقتضيات الدستورية تبقى ناقصة إذا لم يتم مواكبتها بإصدار قوانين من شأنها توضيح الفصول الدستورية المتعلقة بالجهات والجماعات الترابية الأخرى.
تبعا لذلك، سوف نتناول هذا المبحث وفق المطلبين الآتيين : ضرورة إصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية ( المطلب الأول)، ووجوب سن ميثاق وطني للاتركيز الإداري ( المطلب الثاني).
المطلب الأول : ضرورة إصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية
ينص الفصل 146 من الدستور المغربي لسنة 2011 : « تحدد بقانون تنظيمي بصفة عامة :
شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة ؛
شروط تنفيذ رؤساء مجالس الجهات ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى لمداولات هذه المجالس ومقرراتها طبقا للفصل 138 ؛
شروط تقديم العرائض المنصوص عليها في الفصل 139، من قبل المواطنات والمواطنين والجمعيات ؛
الاختصاصات الذاتية لفائدة الجهات والجماعات الترابية الأخرى والاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة والاختصاصات المنقولة إليها من هذه الأخيرة طبقا للفصل 140 ؛
النظام المالي للجهات والجماعات الترابية الأخرى ؛
مصدر الموارد المالية للجهات وللجماعات الترابية الأخرى، المنصوص عليها في الفصل 141 ؛
موارد وكيفيات تسيير كل من صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات المنصوص عليهما في الفصل 142 ؛
شروط وكيفيات تأسيس المجموعات المشار إليها في الفصل 144 ؛
المقتضيات الهادفة إلى تشجيع تنمية التعاون بين الجماعات وكذا الآليات الرامية إلى ضمان تكييف تطور التنظيم الترابي في هذا الاتجاه ؛
قواعد الحكامة المتعلقة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر، وكذا مراقبة تدبير الصناديق والبرامج وتقييم الأعمال وإجراءات المحاسبة. ».
هذا الفصل يفرض على المشرع الإسراع بإصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية بغية مواكبة المقتضيات الدستورية في مجال الجماعات الترابية التي شكلت قفزة نوعية في ميدان تعزيز الديمقراطية الترابية والحكامة الجيدة.
إن تعزيز الجهوية المتقدمة يطرح أيضا وجوب سن ميثاق وطني للاتركيز الإداري كلازمة رئيسية لتعزيز الجهوية المتقدمة.
المطلب الثاني : وجوب سن ميثاق وطني للاتركيز الإداري
إن من شأن سن ميثاق وطني للاتركيز الإداري أن يساهم في تحقيق تحول نوعي في أنماط الحكامة وتوجها مهما لتطوير وتحديث هياكل الدولة، وإعادة تنظيم الإدارة الترابية بما يكفل تناسقها والاستجابة عن قرب للحاجيات المعبر عنها محليا، وذلك بتخويلها السلط والصلاحيات والإمكانيات التي من شأنها وضع نظام فعال للإدارة اللامتمركزة التي سيتم تجميعها في بنيات لتحقيق التكامل والاندماج بين مختلف القطاعات العمومية .
في هذا الصدد يجب على الحكومة أن تتبنى المنهجية التعاقدية والتشاركية في التدبير والتسيير فيما بين المستويين المركزي والترابي، ومراعاة التنسيق والتشاور فيما بين هذه المستويات في مجالات إنجاز البرامج التنموية، تحقيقا لمبدأ الإدارة بالأهداف ومراقبة أساليب التدبير.
وقد أعطى النداء الملكي لوضع ميثاق اللاتمركز من طرف الحكومة نفسا جديدا لهذا الورش. والمطلوب من ذلك الميثاق ومن مفعوله المنشود في الممارسة أن يمنح الجهوية المتقدمة سندا لا مناص منه، فيعضد المجالس الجهوية ومجالس باقي الجماعات الترابية بأجهزة إدارية حكومية تتمتع على كل مستوى من هذه المستويات بهامش واسع من المبادرة وبسلطات تقريرية فعلية، بحيث تتناسق وتتضافر مجهوداتها في صالح التنمية المندمجة بأقرب ما يكون من السكان المعنيين ومن منتخبيهم .
وهكذا، فستسمح الجهة بتركيز أفضل للمصالح غير الممركزة، إذ يرى العديد من الدارسين أن الجهة ستشكل مجالا مفضلا لإحلال سياسة عدم التركيز، وستتيح للإدارة المركزية مراقبة وتأمين استمرارية أنشطة مصالحها غير الممركزة ليس فقط عن طريق مندوبيها الجهويين، ولكن أيضا، وخصوصا عن طريق العامل كممثل للدولة من جهة، وباعتباره مسؤولا عن تنفيذ القرارات الحكومية من جهة أخرى وقائما على ضمان التنسيق بين مختلف أنشطة هذه المصالح .
خاتمة عامة
وفي الختام، يتضح لنا جليا بأن الجهوية المتقدمة قد حظيت بمكانة متميزة في الدستور المغربي لسنة 2011 حيث جعل منها أساس التنظيم اللامركزي ببلادنا عن طريق تخويل الجهات مكانة الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية الأخرى، في عمليات إعداد وتتبع برامج التنمية الجهوية، والتصاميم الجهوية لإعداد التراب، في نطاق احترام الاختصاصات الذاتية لهذه الجماعات الترابية.
كما أن الدستور المغربي لسنة 2011 قد عزز سياسة اللاتركيز الإداري من خلال توسيع صلاحيات ممثلي السلطة المركزية على المستوى الترابي.
هذه المقتضيات الدستورية رغم كونها جد متقدمة إلا أن الاعتماد عليها يبقى ناقصا إذا لم يسارع المشرع المغربي إلى التعجيل بإصدار القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية وكذا الميثاق الوطني للاتركيز الإداري التي من شأنها تعزيز الديمقراطية الترابية والحكامة الجيدة.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=620
عذراً التعليقات مغلقة