تعيش جماعة مكارطو الواقعة بين مدينة ابن أحمد والكارة تهميشا ممنهجا ومزمنا، ولا زالت كل النوائب والخطوب تجلدها دون رحمة. فبالأمس وفي مارس 1907 على سبيل المثال تعرضت مكارطو لمذبحة فظيعة كان بطلها الجنرال ألبير داماد الذي قتل بها أزيد من 2000 شخصا في يوم واحد. مكارطو التي تدور بها أحداث الرواية الشهيرة: “رائحة الجنة” للروائي شعيب حليفي تموت اليوم ببطء إن لم نقل إنها تلفظ آخر أنفاسها. لقد توالى على هذه الجماعة منذ الاستقلال مسيرون لا يرقبون فيها إلا ولا ذمة. والجماعة اليوم عبارة عن بيداء مقفرة ينعق في تينها الشوكي – المنطقة مشهورة بالتين الشوكي- البوم والبؤس والفقر المدقع. فأينما يممت وجهك تطالعك الخرب ووجوه كالحة كأنما سيقت للمحشر. لا وجود لحمام ولا لصيدلية ولا لفرن ولا لروض أطفال ولا لمستشفى يليق ببني آدم وبه طاقم طبي مواظب. لا وجود لإعدادية ولا لطرق سالكة تربط الجماعة بمحيطها؛ فالطريق المؤدية للكارة مثلا تتوقف في المنتصف مما يحرم السكان من الانفتاح على هذه المدينة، ولا وجود لطريق يربط الجماعة بمركز سيدي عبد الكريم ولا وجود لطريق تربط مكارطو بجماعة أولاد امحمد التي لكي يصل إلى إعداديتها تلاميذ مكارطو يضطرون للذهاب لمدينة ابن أحمد ومن تم التوجه إلى جمعة أولاد امحمد. وكثير من تلاميذ وتلميذات مكارطو لبعد المسافة عن الإعداديات والثانويات ينقطعون عن الدراسة ليعانقوا رحلة العذاب في سراديب الفقر والهجرة إلى المدن . وهي في الواقع ليست هجرة بل تهجيرا الغاية منه دفع سكان الجماعة للرحيل. وبالفعل رحل معظم السكان وبقي المسؤولون المسيرون يعشون بمدن أخرى ويزورون الجماعة لقضاء المصالح والمآرب. ومن لم يقدر من السكان على الهروب يقاسي الآن داخل جماعة لا تملك من الجماعة إلا الاسم فلا مركز للدرك الملكي ولا مركز للقيادة… وإن رغب أحد من الساكنة في ورقة إدارية عليه أن يشد الرحال لقرية “فيني”- قرب خريبكة- أي قطعُ ما يناهز 40 كيلومترا مرورا بمدينة ابن أحمد.
مكارطو من أغنى الجماعات في المغرب بغاباتها وطبيعتها – إفران الشاوية- وأحد أكبر السدود بالمغرب- سد تامسنا- . مكارطو بمقالعها التي تبيض ذهبا لا تستفيد شيئا اللهم التلوث وسموم الغبار والأتربة وضوضاء الآلات بالليل والنهار الذي حول سكينة المنطقة إلى جحيم لا يطاق.
مكارطو بسدها الكبير تسقي مدنا بعيدة لكن سكانها يشربون من الترع والمجاري السطحية غير المعالجة. ماء الجماعة يعبر ويتدفق تحت أرضها ليروي أماكن خارج ترابها أما سكانها فعليهم امتطاء دوابهم للبحث عن بعض العيون مثل لبتيرة وستي مريم، هذه العيون التي لا تخضع للمراقبة وتتعرض للتلوث باستمرار ناهيك عن عبث المتسكعين الذي لا يتورعون عن البول فيها متى يحلو لهم، وأحيانا تتحول هذه المجاري والآبار إلى قبور حيث أودت بعدد من سكان المنطقة آخرهم مواطن ترك خلفه أرملة وأيتاما. إن عدم استفادة سكان الجماعة من الماء الصالح للشرب يجعلهم عرضة لعدد من الأمراض ويثقُل كاهلهم بالبحث في ظروف صعبة عن هذه المادة خصوصا وأن آبار الخواص بها ماء غير صالح للشرب وغير مستساغ المذاق.
مكارطو المنسية لا يُسأل عن حالها إلا عند حلول موسم الانتخابات حيث يتبارى السماسرة وعتاة الوسطاء في استغلال الساكنة الفقيرة والأمية.
وقد سبق لأحد النواب أن ندد بالخروقات التي تطال الجماعة ووعد بالمزيد لكنه صمت فجأة.
إن سكان جماعة مكارطو وجمعياتها يتساءلون عن سبب هذا الإهمال المستديم للجماعة مع التغاضي عن المتلاعبين بمصيرها وكأن الجماعة ملك شخصي في يد بضعة أفراد متنفذين لا يردعهم وازع ولا ضمير ولا تمس شغاف قلوبهم أنات البسطاء والبسيطات الذين أثقلت الأمية والعوز كاهلهم وركنوا إلى الانتظار السرمدي الذي لا تلوح في أفقه أي مباشرات للتنمية والإقلاع وتخفيف وطأة الفقر وعاديات الزمن التي يقف خلفها السماسرة وجهابذة الخداع والمكر وتزييف الحقائق وتصدير الكذب المفضوح التي تفضحه الوقائع وحال الجماعة المزري الذي لم يتغير منذ رحيل فرنسا
وهنا نطالب بلجنة فحص تراقب كل شيء بدءا بعدد الموظفين وأمكنة تواجدهم ومهامهم وحضورهم، مرورا بالحواسيب ونوعيتها وثمنها وكونها مستخدمة من قبل أم لا وانتهاء بالمشاريع التي نفذت أو المزمع تنفيذها مثل طرق “التوفنة” ذات التكلفة التي تضاهي الطرق المعبدة. وفي هذا الإطار نورد فيديو لعدد من الفاعلين الجمعويين بالجماعة مطالبين بالتدقيق فيما ورد فيه تصريحا أو تلميحا:
https://www.youtube.com/watch?v=fpjIr10ah5U
في الدقية 17 و12 ثانية يشير المتدخل إلى وضع بعض المسؤولين رؤوسهم في “العلافة” وهذا القول يعبر عن الواقع وعن استغلال الجماعة التي كان رئيسها الحالي عون سلطة… وبعدها تحول إلى رئيس جماعة وهو الآن يمضي ولايته الثانية وحال مكارطو على حاله كما ذكرنا سابقا علما أن ما ورد ليس سوى نزر يسير من قصة جماعة مكلومة تسلط عليها القريب والبعيد وأعملوا فيها سكاكينهم وسيوفهم دون رأفة ودون حسيب ورقيب.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=1523
عذراً التعليقات مغلقة