التقريبي، لمعرفة ماضي عروس الشاوية، التي لم تعرف من العناية اللفظية، في تسلسل وقائعها الطبيعية، والسياسية، والدينية، والإجتماعية، والإدارية، والإقتصادية، ما عرفته بعض المناطق الأخرى، من حيث التدوين والكتابة، للحاضر والماضي، الأمر الذي يدفعه إلى البحث والتقصي عن تاريخ مدينة سطات، إذ لا يعرف بالضبط العصر الذي تأسست فيه، فهي قديمة قدم التاريخ نفسه، حيكت حكايات كثيرة حول تأسيسها واشتقاق إسمها أساطير مختلفة، ومع كل هذا التضارب فقد حظيت سطات بأهمية بالغة، حتى أن إسمها ورد ضمن أمهات المعاجم التاريخية.. حيث قال الراجز “لا ينفع الشاوي فيها شاته…ولا حماراه ولا علاته”.
ونظرا لعراقة مدينة سطات في القدم، فقد اختلف الباحثون والمؤرخون في أصل نشأتها، وعلى يد من تم بناؤها، فمن قائل أنها مدينة رومانية، تعود الى العهد الروماني استنادا الى منطقة كيسر، وقائل أنها مدينة بربرية، بدليل الإمارة البورغواطية التي استوطنت الشاوية من سنة 125م الى سنة 544م، حيث قال عنهم “ابن خلدون” أنهم بربر مصمودة وبربر صنهاجة، وقائل أنها مدينة إسلامية وذلك عندما استقدم “يعقوب المنصور” بني هلال واسكنهم بالشاوية في القرن السادس الهجري.
ومعلوم أن تاريخ المغرب، ظل مجهولا إلى عصر الفينيقيين، لأن المغاربة الأقدمين لم يدونوا تاريخهم، غير أن علماء الآثار استطاعوا أن يحصلوا على معلومات عن العصور الغابرة، نتيجة ما اكتشفوه من آثار تشير إلى أن هذه المنطقة كانت مسكونة من طرف الإنسان منذ القدم، ولعل الأحفوريات التي اكتشفت في الأيام الأولى للإحتلال الفرنسي لمدينة سطات، والمتكونة من بقايا عظمية بشرية، وحيوانية، وأدوات مختلفة تفيد بأن الإنسان قد عمر بسطات قبل الاف السنين.
وفي ذات السياق، فلما شرع مهندسو الاحتلال الفرنسي في شق الطرق وتعبيدها، بسطات ونواحيها، اعترضتهم صفوف من الأحجار والبنايات العظيمة، من جملتها دور للسكن تتكون من عدة حجرات ذات الطابع الروماني أقيمت بمنطقة “كيسر” التي تبعد عن مدينة سطات بعشرين كيلومترا تقريبا، الامر الذي يؤكد أن “كيسر” مدينة رومانية، أو إن صح التعبير “المدينة القيصرية” و بدليل الاثار القديمة التي عثر عليها تحت سطح أرض كيسر التي شيدت فوقها حاليا أرضية كيسر، يستنتج انه لا وجود لأية مدينة إسلامية بتلك المنطقة.
وخلافا لما سبق ذكره، فإن البعض يرى أنه لا علاقة بين كيسر والرومان، وزعموا بأن الكلمة بربرية أو يهودية ورجحوا نسبتها إلى اليهودية، وساقوا كدليل على تأكيد حجتهم وجود آثار ضريح أحد المتدينيين اليهود “بموالين ضاد” إلا أن هذه الحجة نفسها لا تقوى أمام ادعاء المسلمين الساكنين بتلك الجهة والقائلين بأن “ضاد” ولي مسلم وجد منذ القدم، و “ضاد” هو ملتقى دولي لم تنقطع زيارته بالرغم من الأحداث المختلفة التي عرفتها الساحة،منذ ما قبل الحماية إلى حدود الساعة ويعتبر هذا المركز المتميز من خصوصيات سطات وناحيتها منذ العصور الغابرة فضاد عبارة عن صخور ناتئة تبعد بأقل من كيلومتر عن “عين بلمسك” ذات المشهد السياحي الرائع.
وفي هذا الباب، يقول اليهود عن “ضاد” ان زعيما دينيا كان يعيش هناك منذ مايزيد على الف سنة واسمه “ربي إبراهام” ويقول “يهود سطات” إن الزيارات الدورية ابتدأت بعد منتصف القرن التاسع عشر، ولم تنقطع بالرغم من الأحداث العالمية والمحلية، ويضيفون بأنهم عثروا أثناء الحفر العادي على بقايا جثة ادمية ذات هياكل ضخمة ومدهشة شبيهة إلى حد كبير بالعهد الروماني.
وفي سياق الحدث، فإن الحفريات التي قامت بها السلطات الفرنسية بعد الاحتلال مباشرة، والتي اثبتت اذ ذاك العثور على احجار وبنايات شبيهة الى حد بعيد ببقايا العهد الروماني، تكون لفظة كيسر محرفة عن قيصر، وفي هذه الحالة يبقى الوصول الى “الروم” الى منطقة “كيسر” مرتبطا بالمحطة القريبة وبالطريق الوحيد المؤدي إلى هناك وهي مدينة سطات، فلكي يصل الرومان إلى المنطقة، ويشيدوا “كيسر” المدينة القيصرية، لا بد لهم، أن يمروا من “سطات” وهذا يقتضي التوقف عندها وترك البصمات عليها إذ من المستحيل الوصول إلى كيسر من غير اجتياز سطات أو جعلها نقطة استراحة قبل استئناف المسيرة إلى تلك الجهة بعينها.
ومن جهة أخرى، يذكر بعض المهتمين بحياة مدينة سطات وما أقلهم، أن صهاريج ضخمة، بقيت ظاهرة للعيان قرب عين سطات، إلى حين دخول الجيش الفرنسي، كما يتحدثون عن موقع “العسة” الكائن بقيلز، وعن أثار البنايات الكبيرة التي كانت مشيدة هناك، وعليه فمادامت كيسر مركزا عتيقا يعود الى عهد الحضارات القديمة وأقربها إلى التصديق العهد الروماني هذا الافتراض يساير الحقيقة التاريخية التي ترى بأن تاريخ مدينة سطات يعود إلى العهد الروماني.
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=2148
عذراً التعليقات مغلقة