حاضرة بكثافة في المكان ، و كأن الذي يرمي النفايات يقرأ العبارة ثم يبتسم ضاحكا ويقول في سره : “العبارة موجهة للحمير وبما أني لست حمارا فالمنع لا يعنيني” يا سلام على المنطق ! و كأنه أرسطو في أحد تأملاته الفلسفية … أو ربما يفكر في نفسه غاضبا : أنا حمار ؟! ابن الكلب يشتمني و الله من أجل هذه الإهانة لن أرمي الزبالة إلا هنا ولو كنت أعرف بيتهم لرميتها أمام بابه القذر !
على جدار السور الخلفي للمدرسة الابتدائية ، كتب أحد الصالحين من أنصار النظافة عبارة “ممنوع رمي الأزبال” ، العبارة مكتوبة بخط سيئ جدا ، ربما يكون خط حارس المدرسة أو أحد تلاميذ القسم التحضيري .. لكن تلك المرأة التي يبدو عليها الوقار و دائما أشاهدها وهي ذاهبة إلى المسجد يوم الجمعة للتكفير عن خطاياها ، و ربما لأنها لا تعرف القراءة ، ترمي كيس الزبالة مباشرة تحت كلمة أزبال ، و تنطلق إلى السوق لشراء الخضر التي سينتج عنا نفايات جديدة تعود لترميها في اليوم التالي و في نفس المكان ، أي تحت كلمة “ممنوع رمي الأزبال” بالضبط ..
و شاب أنيق في مقتبل العمر يبدو عليه العلم و الثقافة ، ولا شك أنه يدرس في كلية الآداب لكنه نسي الأدب قليلا و تغاضى عن كلمة “ممنوع” و لم يشاهد إلا كلمة “رمي الأزبال” فألقى الكيس البلاستيكي الأسود بدون اكتراث ، ثم ذهب إلى الكلية ليأخذ محاضرة في الأدب ( ربما تكون محاضرة في الأدب الجاهلي ) .. حين يصل الطالب إلى أسوار الكلية يشعر بضغط شديد تحت ملابسه الداخلية ولا يستطيع الصبر حتى يدخل إلى مرحاض الكلية ، يتوجه مباشرة إلى السور و بالضبط أمام عبارة “ممنوع التبول و شكرا” و يترك السائل الأصفر يتساقط قطرات قطرات على الحائط المسكين…
يحين وقت الصلاة ، أبحث عن أي مكان لتأدية الفريضة ، ثم فجأة ألمح بناية كبيرة تتوسطها صومعة و مكتوب على الجدار عبارة ” مسجد للصلاة ” أظن أن كاتب العبارة ربما يعرف أنواع أخرى من المساجد تستعمل لأغراض لا تمت بصلة للصلاة … أو ربما يفعل ذلك كنوع من التلميح ، مادام من غير اللائق أن يكتب عبارة نجسة مثل “ممنوع التبول” على جدران المسجد الطاهر ، فلعل هواة التبول أمام الحيطان يستحون حين يقرؤون عبارة ” مسجد للصلاة “.. أحيانا تجد طفلا صغيرا أو رجلا طويلا عريضا ( يعني بغل) يفتح السروال ويطلق العنان لنفسه على الحائط الخلفي للمسجد ، وهذا طبعا من باب التأدب مع المقدسات فلو كان إنسانا عديم الأدب فسيتبول مباشرة أمام الباب و على مرأى ومسمع من المصلين …
لست أنسى ذلك الرجل العجوز الذي كان يترك المرحاض في بيته المكون من ثلاث طوابق و يبحث عن أي شاحنة متوقفة عند حارس السيارات ، و لا يتبول إلا على العجلة الخلفية السوداء و كأنه يؤدي طقسا تعبديا لا يعرف سره إلا هو .. لا أدري ربما كان في شبابه سائق شاحنة أو أوتوبيس ، فهذه العادة مترسخة بصفة خاصة عند سائقي الشاحنات و الأوتوبيسات ، وشيء طبيعي أن تشاهد الواحد منهم يتوقف في الطريق السريع ليسقي العجلة الخلفية لعلها تنبت جزرا أو موزا أو بطاطا ، أو ربما يفعل ذلك كنوع من البركة حتى لا تتسبب له العجلة الملعونة في أي مصيبة .. و ربما يفعل ذلك كنوع من العنصرية ، فلو كانت العجلة بيضاء ، هل كان سيجرأ على تدنيسها بذلك السائل الكريه ؟!
تغرينا كلمة “ممنوع” بمحاولة التمرد و الثورة ، و حين نتجاوز الخطوط الحمراء ( خصوصا فيما يخص الزبالة والتبول ) نحس بالتماهي مع روح تشي غيفارا أو مع أرواح الشعراء الصعاليك أمثال تأبط شرا و زملاؤه الثوريين ، و يزداد فخرنا بأنفسنا كثيرا لأننا استطعنا أن نثور على القيود ، ولا يهم بعد ذلك أن نحني رأسنا أمام شرطي المرور حين يسجل ضدنا مخالفة وهمية و يبتز ما في جيوبنا من دراهم بدون وجه حق ..لأننا مباشرة بعد ذلك نتوجه إلى أقرب حائط مكتوب عليه عبارة “ممنوع التبول” لننتقم من المجتمع الذي سمح لهذا الشرطي البائس أن يبتز أموالنا التي كدحنا من أجل الحصول عليها…
يجب على الحكومة أن تأمر برسم عبارة “ممنوع رمي الأزبال” على حاويات القمامة، فربما عندئذ سيتسابق المواطنون لرمي النفايات في المكان المخصص ، ويجب أن تفعل نفس الأمر في المراحيض العمومية ولكنها للأسف الشديد نادرة الوجود أو معدومة تماما في مدينة كبيرة بحجم كازابلانكا ..كل ممنوع مرغوب ، وكلما شاهدت كلمة ممنوع ستجد الناس يتسابقون لخرقها و الاستمتاع بالتمرد وعدم الرضوخ للأوامر التي يحاول الآخرون فرضها علينا .. ولسان الحال يقول :كيف تجرؤ يا وقح أن تمنعي من رمي الزبالة في هذا المكان ،ونكاية بك و بأبيك أيها المتعجرف فسأرميها و أرني ماذا ستفعل يا فيلسوف آخر الزمان ..
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=395
عذراً التعليقات مغلقة