على بعد حوالي 32 كلمتر عن مدينة سطات عبر مدخلها الجنوبي، وفي اتجاه عاصمة قبائل بني مسكين مدينة البروج، يستوقفك مركز الجماعة الترابية “لكيسر” محلات تجارية متناثرة في كل مكان، وحركية غير عادية أمام محلات الجزارة ومقاهي الشواء، مرافق اجتماعية هنا وهناك، وحركة لا تنقطع لسيارات الاجرة الكبيرة التي تربط مركز الجماعة بالجماعات المجاورة.
ورغم أن الطابع العمراني للمركز قروي، فإن الأوراش المفتوحة لم تضع القطيعة مع هذا النمط واستثمرته لانجاز مشاريع تتجه للمستقبل.
تاريخنا فخرنا..
كيسر أو قيصر أو جيسر أو إيجسر، تعددت التسميات، والمكان واحد، فخر قبائل اولاد سي بنداود وترابهم الذي يعشقونه حد الثمالة. كيسر رواية واحدة بفصول متعددة صنع لها الاجداد ممرا عبر التاريخ ليصل الحاضر بثقله الرمزي وحمولته الدينية والاجتماعية، ولأنهم يعتزون بتاريخهم ويعتبرونه فخرهم وتاج رؤوسهم، فإن حكايتهم تنطلق بالضرورة من المؤسس “سيدي محمد بن داود”، الرجل الورع الذي ينسبه البعض للأدارسة، وفي حكاية أخري إلى أولاد بوزيري الصنهاجيين، وقد توفي في حدود 935 هـ، الموافق لـ1528م، ودفن بتادلة قرب «غرم العلم».
في جراب “كيسر” العديد من الحكايات تتغنى برمزيتها ومركزيتها في الذاكرة الجماعية لأبنائها يتواثرونها أبا عن جد، وتكفي الاشارة الى أن المتصوّف ابن عربي قد شرّف منطقة كيسر عندما زار المغرب لآخر مرة سنة 597 هجرية، حيث ارتقى بكيسر إلى أعلى مقام في التصوف، ألا وهو مقام القربة، واصفا إياها (أي كيسر) “بالمنازل المعتبرة”، في موسوعته المشهورة “الفتوحات المكية”. وقد مكث فيها عدة أيام حتى حصل فيها على أكبر لقب، هو لقب “مقام القربة” في التصوف، ثم رحل إلى المشرق سنة 598 للهجرة الموافق لـ1201 ميلادية.
لوصلتي لكيسر دور على ليمن..
مع الإعتذار والتوقير للمغني الشعبي الداودي صاحب لازمة “الى وصلتي لكيسر دور على ليسر” والتي يتغنى بها اليوم الصغير والكبير بكل ربوع المملكة، لكن ما تم انجازه يمين المركز يجعله صالحا كلازمة لدليل علمي حول استثمار نقط قوة المكان وصناعة مشروع للمستقبل.
“كيسر” معروفة داخل قبائل كل الاقليم بسوقها الاسبوعي “جمعة كيسر”، يحج اليه آلاف المواطنين اسبوعيا من أجل التسوق، بل وإنها تعتبر الممون الرئيس لجماعتين على الأقل ، جماعة ريما وجماعة اولاد اصغير المجاورتين، كانت الفكرة أن يتم الارتكاز علي نقطة القوة هته، وتثمين التسوق التقليدي لسوقها الاسبوعي عبر تعزيز بنيته التحتية، لكن النتيجة كانت مبهرة من خلال تهيئة سوق ومجازر نموذجيين يعتبان الأفضل إقليميا وجهويا ومن بين الأجود وطنيا.
ركيزة لدعم الاقتصاد المحلي..
السوق النموذجي الأسبوعي لكيسر أنجزته الجماعة بشراكة مع صندوق التنمية المستدامة والمديرية العامة للجماعات المحلية، بغلاف مالي مقدر بحوالي 29 مليون درهم، ويحتوي على فضاء لبيع اللحوم الحمراء والبيضاء بالتقسيط وبيع الاسماك وفضاء المطاعم والمقاهي بالإضافة الى مرافق أخرى ستوضع رهن إشارة الساكنة والزوار،ومن المنتظر أن يشكل السوق قفزة نوعية غير مسبوقة في مجال تدبير الأسواق بالمغرب ونموذج تنموي بالمنطقة، قادر على خلق مناصب للشغل في صفوف الشباب وفق معطيات بيئية وصحية.
والهدف من هذا النوع الجديد من الأسواق حسب مسيري الجماعة هو الحفاظ على سلامة وصحة المواطن، وإحداث وحدات مدرة للدخل (وحدات حرفية)، إضافة إلى تسويق الأبقار بصورة فعالة نظرا للسمعة الطيبة والجودة العالية التي تتمتع بها اللحوم الحمراء بمنطقة كيسر.
عصرنة فضاءات بيع المواشي..
انتبه مدبرو الشأن المحلي بكيسر الى الاقبال الكبير على سوقها الاسبوعي بخصوص الاتجار في الاغنام والأبقار، لذلك سارعوا لابرام اتفاقية شراكة مع وزارة الفلاحة تروم تهيئة فضاء عصري لتنظيم عملية بيع الاغنام والأبقار تمكن من تسهيل المراقبة ومن التجارة في ظروف صحية سليمة.
المشروع جعل جماعة كيسر تحجز مكانا ضمن لائحة مصغرة تضم 20 سوق وطني نموذجي بهذه المواصفات بالجهات الاثنى عشر، وواحد من بين سوقين نموذجيين بجهة الدار البيضاء سطات الى جانب سوق الجماعة الحضرية لسيدي بنور، مع الفارق الكبير في الجودة لفائدة سوق كيسر.
في الجزء الثاني من الروبرطاج
البنية التحتية، التعليم والصحة ملفات على الطاولة
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=2882