بكل الأعطاب النفسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تسببت فيها الجائحة لسكان الاقليم والوطن ككل، ورغم حجم الألم الذي استوطن النفوس علي كل المستويات، يبدو بأننا فعلا انتقلنا لمرحلة بدأ الوعي المغربي يصنع أنموذجه الخاص في التعاطي مع الاشكاليات التي تطرحها ظروف الجائحة.
فكرة تحويل المحنة القاسية إلي منحة تشق طريقا نحو مستقبل موسوم بالعدالة الاجتماعية والكرامة والديمقراطية، بدأت تستقر في الوعي الجماعي للمغاربة من خلال تعبيرات وممارسات بدلالات عميقة وصادقة.
فكرة معركة الوجود ضد هذا الوباء كما بلورها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه التوجيهي للأمة، هي في تضافر كل الجهود وفي التلاحم بين كل مكونات الشعب المغربي كل من موقعه، والمساهمة الايجابية في حرب لا يمكن الظفر بها دون اتحاد وتكاثف بين المسؤولين والمواطنين وتركيز الجهود حول الهدف.الأساسي، والأهم الاجتهاد في إيجاد أرضيات مشتركة لمعالجة الاشكاليات التي يطرحها الملف الاجتماعي بسبب الجائحة.
سطات كغيرها من المدن المغربية استفاقت على واقع جديد فرضته الجائحة، لم ينتظر صناع القرار بالإقليم الكثير من الوقت من أجل الانخراط في المعركة بداية بتطبيق تدابير الحجر الصحي وما طرحه من مهام جسيمة أغلبها كان على خط التماس مع احتياجات وانشغالات المواطنين، كما لم يكن أمام المواطن الكثير من الخيارات ، فحدث الالتقاء الموضوعي تحت عنوان عريض “الثقة المتبادلة بين المواطنين والسلطات” وكانت النتيجة إنجاح مرحلة الحجر الصحي حتي أن سطات كان يضرب بها المثل في ارتفاع منسوب الوعي والاستماثة في مواجهة الوباء رغم أنها لظروف موضوعية كانت معرضة لتكون من أكبر المناطق تعرضا للفيروس بالمغرب (اعداد كبيرة من المواطنين ينتقلون يوميا لبرشيد والدار البيضاء من أجل العمل، اعداد هائلة من المهاجرين الذين عادوا حديثا، الحركة التجارية الكبيرة بين أسواق البيضاء وسطات …)..
طبعا لم تكن لدى السلطات المحلية بسطات جميع الاجابات العملية عن كل أسئلة المرحلة الصعبة والحارقة، لكنها استطاعت تعبئة كل امكانياتها البشرية (على قلتها) واللوجستيكبة من أجل تطبيق مرن للتدابير المتخذة مركزيا، وبالمقابل ورغم الحيرة لذي المواطن وسؤال الجدوى من بعض الاجراءات التي اتخذت، لكنه انتصر لثقته في موسسات بلاده واحترم إلى أبعد الحدود جميع التدابير والاجراءات التي طرحت، بل أنه أبدع في ابتكار آليات تواصلية وتحسيسية لا شك ستبقي خالدة كجزء من تاريخ وذاكرة الإقليم.
صحيح أن الجائحة صنعت جدارا سميكا أمام العديد من الأنشطة الاقتصادية والتجارية، ورمت فئات كثيرة في دائرة المجهول، من حرفيين وتجار ومياومين ومستثمرين .. لكنها أبرزت بأن هناك بحث دائم عن اختراق هذا الجدار واستعادة بعد النشاطات المصنفة ضمن لائحة “المخاطر الفائقة”، وهذا البحث هو ما يمكننا تعريفه بتدبير الأزمة وتقليل المخاطر.
ما تم تسجيله خلال اليومين الأخيرين من تعبيرات كخروج أرباب المقاهي والحلاقة ومهن الأعراس والحفلات لا يمكن وصفه بالاحتجاج بقدر ماهو صرخات للفت الأنظار بشكل حضاري ومسؤول لمعاناة فئات واسعة من المواطنين عصفت الجائحة بمصدر قوتهم وقررت إعلاء الصوت من أجل البحث عن أرضية مشتركة قادرة على إعادتهم لمهنهم في احترام تام لكل التدابير والاجراءات الصحية، وفي نفس الوقت لم تستعمل السلطات المحلية وضعها الاعتباري من أجل المنع أو الزجر، بل اختارت أن تنصت لهم وأن تشاطرهم انشغالاتهم وأن تعبر عن نيتها الصادقة في إيجاد حلول لمعاناتهم، وربما قرار اعادة فتح محلات الحلاقة هو أبلغ رسالة عن هذا الطموح، وأكبر تعبير عن أولوية الملف الاجتماعي في تدبير ملفات الجائحة بالنسبة لسلطات اقليم سطات.
من أبلغ دروس الجائحة هذا الإحساس الجماعي بالمسؤولية، وهذا التقدير الذي نشاهده كل يوم داخل جميع أوساط الاقليم لكل العمل الذي أنجز وينجز، اكتشفنا أطرا وشبابا بعمالة الاقليم ومختلف الدوائر والمقاطعات قمة في التواضع ونكران الذات، واكتشفنا أسرا وعائلات في منتهى النبل والوعي والكرم، اكتشفنا أننا وطن عظيم بعطاءات أبنائه وتضحياتهم..
نريد أن نستثمر كل ذلك في مقاومة هذا الفيروس والانتصار عليه.. ونريد أن نبني إقليم ما بعد الجائحة باستحضار كل هذه القيم النبيلة التي أبانت عنها سطات بمؤسساتها ومواطنيها ..
الاكيد أن أهم درس في الجائحة هو أننا قادرون ومستعدون..
المصدر : https://akhbarsettat.com/?p=3208